وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون .
هذا النص السامي فيه بيان أن الله لا يعذب الأقوام والرسول يدعوهم، حتى يكون اليأس من إيمانهم كما فعل الله تعالى مع قوم نوح، لقد قال تعالى عند إنزال العزم فيهم: لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن
و(اللام) في قوله تعالى: (ليعذبهم) هي التي يسميها علماء النحو لام الجحود، أي: تكون لتأكيد النفي، والمعنى: ما كان من شأن الله العلي الأعلى أن [ ص: 3117 ] يعذب المشركين وأنت فيهم تدعو، ويفشو الإيمان فيهم وقتا بعد آخر، وهؤلاء بهذا الدعاء الذي يجحدون به يستعجلون العذاب، والله فوق أهوائهم وله في خلقه سنة، ولن تجد لسنة الله تعالى تبديلا، ولقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: " ". أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله تعالى
ثم يقول سبحانه: وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون قال بعض العلماء: إن العذاب الذي يعم يكون الجميع مستحقينه، فإذا كان فيهم من يستغفر لا يعمهم العذاب، فمعنى وهم يستغفرون أي: بعضهم يستغفر، وعبر بما يدل على الجميع للإشارة إلى أنه ينبغي أن يكون ذلك، وقيل: إن المراد قولهم في الطواف: غفرانك. وقيل: المراد توبتهم إن تابوا.
وينقدح في نفسي أن الأقرب للمعنى أن نقول: وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون بمعنى يدخلون في دين الله تعالى فوجا بعد فوج، إذن لانقطع السبيل على المستغفرين الذين يجيئون تباعا بإنزال العذاب، بطلب المستعجلين خضوعا لأهوائهم وضلالهم.
وقد نفى الله عن ذاته العلية الشأن، فقال تعالت كلماته: وما كان الله معذبهم فنفى اسم الفاعل وهو نفي الوصف القائم بالذات العلية " إن الله غفور رحيم " .