وقد بين سبحانه أثر اتصال الشمس بالأرض فقال تعالى: إن في اختلاف الليل والنهار وما خلق الله في السماوات والأرض لآيات لقوم يتقون
واختلاف الليل والنهار بمعنى تعاقبهما بأن يكون كل خلفة للآخر، فالليل يعقب النهار، والنهار يعقب الليل، تشرق الشمس على الأرض في دورانها فيكون النهار، ويكون ذلك الإشراق في جزء من الأرض، وفي دورانها تخفي الأرض نصفا منها فيكون ليلا وفي النصف الآخر النهار، وهكذا تتعاقب الأيام والليالي وهكذا النظام الذي ابتدعه منشئ الوجود رب العالمين، وهناك اختلاف بين الليل والنهار تشير إليه الآية أيضا وهو الاختلاف طولا وقصرا; فأحيانا يطول النهار ويقصر الليل، وأحيانا يطول الليل ويقصر النهار، وأحيانا يستويان; وذلك من تحرك الشمس في فلكها وحسب قربها من الأرض قربا نسبيا وبعدها عنها نسبيا، ويشير سبحانه إلى ذلك في قوله تعالى: لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون فالشمس تدور في فلكها [ ص: 3519 ] والقمر يدور حول الأرض في فلكها، والأرض فراش الإنسان مهدها له العلي القدير.
ولقد قال تعالى: إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب أي: العقول المدركة، وهكذا كان الكون وما يجري فيه من الآيات والنذر، ولكن ما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون.
ويقول سبحانه وتعالى: وما خلق الله في السماوات والأرض لآيات لقوم يتقون هذا توجيه النظر لما في السماوات والأرض من نجوم وكواكب.
أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج تبصرة وذكرى لكل عبد منيب ونـزلنا من السماء ماء مباركا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد والنخل باسقات لها طلع نضيد رزقا للعباد وأحيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج
فأشار سبحانه وتعالى إلى الكون في إنشائه وتنوعه وتفاوته وتدبيره وإحكامه وتماسكه وأنه لا فروج بين كواكبه ونجومه وأنها متماسكة بالجاذبية.
لآيات لقوم يتقون هذا اسم إن في قوله تعالى: إن في اختلاف الليل والنهار وإن (اللام) لام (التوكيد)، والآيات جمع آية، وهي الأمر الكوني الدال على وحدانية الله وكمال قدرته وإبداع الكون على غير مثال سبق، وأنه سبحانه منشئ الكون بإرادته.
وهذه الآيات لا يدرك مغزاها وما توحي به إلا القوم المتقون، الذين امتلأت قلوبهم بالإدراك ومراقبة أنفسهم، يخافون العواقب ويقدرون الأمور تحت سلطان التقوى، يعلمون أن الله الواحد الأحد منشئ الكون وحده هو المعبود وحده لا معبود سواه.
وقد ذكر سبحانه من يدركون بأنهم الذين (يعلمون)، ومرة أنهم (يؤمنون) وأخرى أنهم (يوقنون)، ومرة رابعة بأنهم (يتقون)، وهم الذين يدركون ما تدل [ ص: 3520 ] عليه الآيات، ومن لا يدركها ليس عنده علم ولا إيمان ولا يقين ولا تقوى، وعدم إدراكهم ناشئ عن ظنهم أن الحياة الدنيا هي كل شيء فلا يتدبرون ما بعدها وينكرون البعث، ولذا قال تعالى: