وقد بين الله تعالى حالهم في جحودهم اليوم الآخر، فقال تعالى:
وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعدا عليه حقا ولكن أكثر الناس لا يعلمون .
جهد أيمانهم الجهد مصدر بمعنى الطاعة والقوة، ومعنى (أقسموا بالله جهد أيمانهم) أي: جاهدين بأقصى قوتهم في تأكيد يمينهم، والمقسم عليه لا يبعث الله من يموت مأسورين في ذلك بالحال التي وقعت، وهي الوقت ويحسبونه فناء لا حياة بعده، ويحسبون أنه لا شيء غير المادة، ولا يؤمنون بالمنشئ الموجد، وإن كانوا يقولون: الله خالق كل شيء، ولكنه قول لا يتغلغل في قلوبهم، ويستمكن في نفوسهم، روى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في حديث قدسي: البخاري آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي فقوله: لن يعيدني، كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته، وأما شتمه إياي فقوله: اتخذ الله ولدا وأنا الأحد الصمد، لم ألد ولم أولد، ولم يكن لي كفئا أحد " . " كذبني ابن
[ ص: 4178 ] رد الله تعالى قسمهم الباطل بقوله تعالى "بلى" وهي تدل على الإجابة بالنفي وهو ما أكدوه، ثم أكد سبحانه وتعالى الجواب بالنفي بقوله تعالى: وعدا عليه حقا ووعدا مصدر، ووصفه بأنه حق ثابت مستقر لا مجال لإخلافه، وقال تعالى: "عليه"، أي أنه سبحانه التزمه، وكيف يترك ما التزمه ولا ملزم له، إنما هو الملتزم.
وبين سبحانه أن أكثر الناس غلبتهم المادة، وسيطرت عليهم الأحوال التي يرونها، وتركوا المغيب عنهم فلم يدركوه، ولم يؤمنوا بالغيب، ولذا قال تعالى: ولكن أكثر الناس لا يعلمون الاستدراك هنا من الوعد المؤكد الثابت الذي ألزم الله تعالى به نفسه، إذ كان الواجب عليهم أن يعلموا من قياس القابل على الحاضر ولكن أكثرهم لا يعلمون، أي ليس من شأنهم أن يدركوا وأن يعلموا؛ لأنهم لم يؤمنوا بالغيب، ولم يعرفوا قدرة ربهم، وما المراد بـ(الناس) ؟ إن أريد المشركون فكلهم لا يعلمون ذلك، وقيل: المؤمنون وإن أريد الناس جميعا، فإن أكثرهم لا يؤمنون بالعودة، ومن اعتقد منهم لا يذعن، وإلا ما كانت المعاصي التي ترتكب جهارا، فهي لا ترتكب إلا من غفلة في الإيمان باليوم الآخر،