وقد بين الله تعالى فقال تعالى: الغاية من البعث،
ليبين لهم الذي يختلفون فيه وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين .
(اللام) متعلقة بما قبلها، أي أنها في مقام التعليل لوعد الله الحق الثابت المؤكد الذي ألزم الله تعالى به ذاته العلية، والمعنى أن الله تعالى ما خلق الناس عبثا كما في قوله تعالى: أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون فالله تعالى لم يخلق الإنسان، ولم يجعله كالبهائم، بل خلقه ومعه عقل يتفكر ويتدبر، وحيث كان التفكير، كان الحساب على الأفعال، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، والدنيا لا تتسع لكل حساب الأعمال، فلا بد من أخرى يحاسب فيها على جميع الأفعال، والأناسي منهم المظلوم المحروم، ومنهم الظالم [ ص: 4179 ] المجدود ، فلا بد من يوم يستوفي فيه كل ذي حق حقه، ينال كل ثمرة ما كسب، ومن نوع ما كسب.
وذلك هو ما يكون بعد البعث، وهذا معنى ليبين لهم الذي يختلفون فيه من حق وباطل وعدل وظلم، ويكون كل ذلك أمام الحكم الذي يفتح بين الناس، ويفصل بينهم بالحق وهو خير الفاصلين، وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين
(اللام) هنا للعاقبة، بينما اللام الأولى للتعليل؛ ولذا كررت اللام لتغاير معناها، ومعنى العاقبة أنهم كانوا يكفرون بالبعث، ويكذبون الرسل في الدعوة إلى الإيمان، ويشركون ويكذبون الرسل في الدعوة إلى التوحيد، فإذا كان البعث والحساب والعقاب لمن أنكر وكابر وأشرك، والثواب لمن آمن وأطاع وصبر وجاهد؛ فإن عاقبة ذلك الذي يرونه حسيا أن يعلموا أنهم كانوا كاذبين في كل ما ادعوا وأنكروا، وباهتوا الرسل والمؤمنين، وعبر بالموصول "الذين كفروا" لبيان أن كفرهم هو السبب في تكذيبهم، وأكد سبحانه وتعالى علمهم بكذبهم، أولا:
بـ(أن) المؤكدة، وثانيا: بـ( كان) الدالة على دوامهم على الكذب بدوام كفرهم، وثالثا: بالجملة الاسمية، والله سبحانه يعلم الغيب في السماوات والأرض وإليه ترجعون.
وإن السبب في إنكارهم البعث هو أنهم مأسورون بالمادة والحاضر الذي بين أيديهم وأنهم لا يقدرون قدرة الله تعالى حق قدرها؛ ولذا أشار سبحانه وتعالى إلى كمال قدرته على الخلق والتكوين، وأنه ليس إلا أن يريد الشيء فيكون، فقال الله تعالى: