إلا رحمة من ربك إن فضله كان عليك كبيرا .
(إلا) الاستثناء فيها من النفي في الجملة الأخيرة من الآية السابقة [لا تجد لك به علينا وكيلا] ، ويكون المعنى لا تجد لك من يوكل باسترداده علينا إلا رحمة من ربك ويكون الاستثناء متصلا، أي أنه إن شاء سبحانه إذهابه [ ص: 4449 ] لا يعود، إلا رحمة من الله رب العالمين بنبيه وبالناس لينتفعوا من شفائه وهدايته ورحمته ومواعظه، فهو القرآن العظيم، ويصح أن يكون الاستثناء منقطعا ويكون متعلقا بالآية السابقة كلها، ولكن (إلا) بمعنى (لكن) ويكون سياق الكلام فيما نعلم هكذا: " ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ثم لا تجد لك به علينا وكيلا لكن رحمة من ربك الذي علمك ما لم تكن تعلم، وشفى صدرك واصطفاك، وهذه الرحمة قامت فلم يشأ أن يذهب به ".
ولقد ختم الله تعالى الآية بقوله: إن فضله كان عليك كبيرا وإن فضل الله تعالى على هذه الأمة ونبيها كان عميما بإنزال القرآن الكريم وبقائه حجة قائمة إلى يوم القيامة وبما اشتمل عليه من شفاء ورحمة وهداية، والضمير يعود إلى الله، وقوله: كان عليك كبيرا قدم (عليك) للاهتمام بمنزلة النبي صلى الله عليه وسلم وفضل الله تعالى عليه، وقد أكد سبحانه وتعالى فضله بـ (إن) المؤكدة و (كان) الدالة على الاستمرار.
ولماذا أكد سبحانه وتعالى فضله في نزول القرآن على قلبه، وأن يكون معجزته الكبرى؛ الإجابة لأن المشركين حسبوا أن المعجزات الحسية التي انقضت بانقضاء أزمانها مثل معجزات عيسى تدل على فضل هؤلاء الرسل، فبين سبحانه أن فضله عظيم على نبيه في أن اختصه بمعجزة القرآن الخالدة الباقية التي كانت هي المعجزة الكبرى وسجلت كل المعجزات السابقة، فلولا القرآن ما عرفتها الأجيال التالية.