قال لقد علمت ما أنـزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر وإني لأظنك يا فرعون مثبورا .
ضمير الفاعل يعود إليه، لأنه المتحدث عنه في الآيات التي أعطيها لقد علمت ما أنـزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر (التاء) ضمير المخاطب بالفتح على قراءة الأكثرين ، وفيه تأكيد موسى لفرعون أنه علم أنه ما أنزل هذه [ ص: 4470 ] الآيات إلا رب السماوات والأرض بصائر، أي آيات مبصرة، وبصائر جمع بصيرة، أي من شأنها أن تبصر من له بصيرة ينظر فيها بعين قلبه متذكرا متدبرا مؤمنا مذعنا غير متمرد، وقد يقال: كيف يعلمها وينكرها كافر به وبأنعمه؟ والجواب عن ذلك أنه علم ولم يذعن لقوله تعالى: وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم من شأنها أن تلقي باليقين في نفس كل من يراها، ولكن ألقت في نفوسهم بالجحود، والجحود يزداد قوة كلما قويت أسباب العلم.
وقرأ (علمت) بضم التاء على أنها للمتكلم، والمعنى على هذه القراءة لقد علمت أنا بأنها نزلت من رب السماوات، والبصائر منيرة للحق، ومعجزات مثبتة للحق، وحسبي الله تعالى شاهدا بها، وأما أنت يا علي بن أبي طالب فرعون فقد قدمنا الحجة، ولك أن تؤمن، وإن كفرت فالإثم عليك، ولذا ختم موسى عليه السلام بقوله: وإني لأظنك يا فرعون مثبورا أي هالكا وملعونا وناقص الإدراك؛ والثبور الهلاك والمنع من الخير، يقال ثبره الله تعالى يثبره ثبرا، أي أهلكه ومنعه.
وهنا نلاحظ أن قوله: وإني لأظنك المراد بالظن العلم المحقق، وعبر عن العلم بالظن مجاراة لما جاء عن فرعون، وقد أكد هذا العلم أولا بـ (إن) ، وثانيا بـ (اللام) ، وذلك بالقسم.
ويلاحظ أنه ناداه باسمه لأنه إذا كان فرعون قد استعلى بجبروته فموسى قد أعلاه الله تعالى بمقام الرسالة، فحق له أن يخاطبه باسمه الصريح، وألاحظ أن فراعنة هذا الزمان الذين مات آخرهم قريبا كان يظن نفسه أكبر.
زادت فرعون الآيات الحسية عتوا في الأرض وفسادا، ولم تقنعه، وكذلك لم تقنع أشباه فرعون من طواغيت ملكه، ولقد خرج فرعون عن عهده، فحاول إخراج موسى وبني إسرائيل بزيادة طغيانه عليه، ولذا قال تعالى: