يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا ناداه بالأبوة؛ وكرره تعطيفا؛ وتلطيفا؛ وتقربا؛ وكان النهي: لا تعبد الشيطان وعبادة الشيطان في أنه أطاع غوايته التي توعد بها عباد الله؛ فقال: لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين ؛ فطاعته في معنى عبادته؛ ولأن [ ص: 4649 ] الأهواء والأوهام هي التي سهلت عبادة الأحجار؛ وذلك كله من الشيطان؛ بل هو من غوايته؛ والشيطان عدو الله؛ وعدو آدم؛ فهو عدو الإنسانية؛ يرديها ويوقعها في أشد الضلال؛ ويبعد من الحق؛ ولذلك كان النهي؛ وهو في ذاته يكون بقوة لا تخلو من مساعدة؛ ثم وصف الشيطان بأنه عاص؛ مبعد عن رحمة الرحمن؛ فقال: إن الشيطان كان للرحمن عصيا "عصي "؛ على وزن "فعيل "؛ من "عصى "؛ أي أنه مبالغ في العصيان؛ وعبر عن الذات العلية بـ "الرحمن "؛ للإشارة إلى أن فمن عصاه فقد رحم؛ ومن أطاعه ألقى بنفسه في وهدة الشقوة؛ وبعد عن السعادة؛ ورحمة الرحمن. عصيان الشيطان رحمة؛ وطاعته نقمة؛
ويقول في ذلك أيضا: ثم ثلث بتثبيطه ونهيه؛ عما كان عليه بأن الشيطان - الذي استعصى على ربك الرحمن؛ الذي جميع ما عندك من النعم من عنده؛ وهو عدوك الذي لا يريد بك إلا كل هلاك وخزي؛ ونكال؛ وعدو أبيك الزمخشري آدم؛ وأبناء جنسك كلهم - هو الذي ورطك في هذه الضلالة؛ وأمرك بها؛ وزينها لك؛ فأنت - إن حققت النظر - عابد الشيطان؛ إلا أن إبراهيم - عليه السلام - لإمعانه في الإخلاص؛ ولارتقاء همته الربانية؛ لم يذكر من جنايتي الشيطان؛ إلا التي تختص منهما برب العزة؛ من عصيانه واستكباره؛ ولم يلتفت إلى ذكر معاداته لآدم وذريته؛ كأن النظر في عظم ما ارتكب من ذلك غمر فكره؛ وأطبق على ذهنه.
ونقول: إن وما دونه قد يناله الغفران؛ وقد قال (تعالى): الشرك هو أعظم ما وسوس به إبليس؛ وألقى به الأوهام في نفس؛ إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء