ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين هذا بيان لحساب يوم القيامة؛ وأنه لا يذهب منه صغيرة ولا كبيرة؛ إلا كانت موضع حساب؛ وستجزى كل نفس ما كسبت؛ إن صغيرا؛ وإن كبيرا؛ وإن خيرا؛ وإن شرا.
وقوله (تعالى): ليوم القيامة اللام هنا بمعنى "في "؛ كقول القائل: "فعلته لخمس خلون من ذي الحجة "؛ أو "جاهدت لعشر خلون من رمضان "؛ وبعضهم قدر [ ص: 4875 ] مضافا محذوفا؛ أي: لأهل يوم القيامة؛ والأول أوضح؛ وأبين؛ ووضع الميزان في قوله (تعالى): الموازين القسط هو وضع معنوي؛ أي: رصدنا الأعمال رصدا؛ وحسبناها حسابا؛ بخيرها وشرها؛ للإنسان؛ أو عليه؛ ويصح أن يكون هناك ميزان محسوس يوم القيامة توزن به الأعمال؛ ولكنا نميل إلى التفسير الأول؛ ولقد ذكر أن كل ما يكون يوم القيامة هو من جنس مثله في الدنيا؛ ولكنه غيره؛ وذكره تقريب للعقول؛ ولا مانع أن يكون محسوسا؛ ولكنه غير الموازين التي نراها في الدنيا؛ وذكرها تقريب لما عندنا؛ والله أعلم. ابن عباس
ووزن الأعمال يكون بما هو مذكور في كل كتاب للمكلف؛ فتوزن صحائفه في خيره وفي شره؛ أو تكون الأعمال في علم الله في كتاب؛ لا يضل ربي ولا ينسى - سبحانه وتعالى.
وقوله (تعالى): الموازين القسط أي: الموازين التي هي القسط؛ وهو العدل؛ وفي هذا مبالغة في كأنها العدالة ذاتها؛ لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء. وصف الموازين بالعدالة؛
ولقد قال (تعالى): وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها إن كان العمل صغيرا؛ يساوي وزنه وزن مثقال حبة من خردل؛ أي: كان الوزن في ذاته قليلا؛ وكان الموزون في ذاته ليس ذا خطر وشأن؛ فإنه يؤتى به ويحاسب عليه؛ إن خيرا فخير؛ وإن شرا فشر؛ ولا يغيب عن علم الله (تعالى) شيء؛ ولا عن الحساب شيء من غير جزاء؛ ولقد حكى - سبحانه - في وصية لقمان لابنه: يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير
وإن المحاسب هو الله؛ الذي يعلم كل شيء; ولذا قال (تعالى): وكفى بنا حاسبين أي: وكنا حاسبين؛ فلا حساب بعد حساب الله؛ ولا أدق منه ولا أعدل.