ولقد أكد سبحانه وتعالى صدق ما أخبر به عن عيسى عليه السلام فقال تعالى:
إن هذا لهو القصص الحق
أي: إن هذا الذي أخبرت هو القصص الثابت الذي لا مجال فيه لإنكار منكر، ولا لتشكيك متشكك، وقد أكد سبحانه صدق القصص في تلك الجملة السامية بأربعة مؤكدات هي: إن، فهي للتوكيد، واللام في قوله تعالى: لهو القصص الحق وضمير الفصل، والقصر الذي تضمنه تعريف الطرفين؛ إذ المعنى فيه أن ما أخبرت به في شأن عيسى عليه السلام هو وحده الخبر الحق، ولا حق في سواه، بل ما عندهم ترهات وأباطيل.
وإن هذا الخبر يتضمن في ذاته عيسى عليه السلام ليس إلها ولا ابن إله، وأنه عبد الله ورسوله الأمين، وأنه من أولي العزم من الرسل، وأن الألوهية الحق هي لله تعالى وحده؛ ولذا صرح بهذا عقب تأكيده القصص الحق، فقال تعالى: أن المسيح وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم هذا نفي بات قاطع للألوهية من غير الله تعالى، وإثبات الألوهية لله وحده، وقد أكد النفي بكلمة " من " فهي تفيد استغراق النفي استغراقا مستمرا ثابتا مؤكدا، وفى النفي والإثبات تأكيد لمعنى المستثنى أبلغ تأكيد، وإن هذا النفي فيه رد بالغ على النصارى الذين ادعوا ألوهية للمسيح عليه السلام. [ ص: 1255 ] وقوله تعالى: وإن الله لهو العزيز الحكيم معناه الحكيم الذي يدبر كل شيء بكمال سلطانه وسيطرته على هذا الوجود الذي لا ينازعه السلطان فيه غيره كائنا من كان. وإن الجملة السامية فيها تأكيد لمعنى العزة والسلطان الكامل بالتعبير بـ (إن) ، وباللام، وبضمير الفصل، وبتعريف الطرفين. أن الله سبحانه وتعالى المنفرد بالألوهية وحده هو العزيز الغالب الذي لا يقهر،
وفي هذا الكلام رد على أولئك الذين يزعمون أن المسيح إله، ويعتقدون مع ذلك أنه غلب على أمره وصلب ولم يستطع لنفسه حولا ولا طولا، ولا حيلة يخرج بها من ذلك المأزق، ولكن هكذا يعتقدون، وبه يؤمنون.