nindex.php?page=treesubj&link=1597_30497_30532_34091_34370_34513_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=149ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وإنه للحق من ربك وما الله بغافل عما تعملون nindex.php?page=treesubj&link=1597_19995_29376_34370_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=150ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم [ ص: 458 ] شطره لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني ولأتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون
* * *
تبين في الآيات السابقة اتباع القبلة في حال المقيمين ، فبينت حيث يقيم النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وبينت حيث يقيم المسلمون في الأماكن الإسلامية ، كل في مكان إقامته ، فقال فيما تلونا من قبل :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=144وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره
وفي النص السامي يبين أن القبلة لا بد من الاتجاه إليها في السفر كما يجب الاتجاه إليها في حال الإقامة ، فإذا خرج من مكان إقامته اتجه إليها ، فلا تسقط فرضيتها في السفر ; ولذا قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=149ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام " من " هنا أي من أي مكان خرجت ، وفي أي مكان حللت ، فول وجهك شطر
المسجد الحرام ، أي ناحيته ; إذ لا فرق بين مكان ومكان ولا سفر ولا إقامة ، فالاتجاه ضروري ، أي أن السفر لا يسوغ ترك الاتجاه شطر
البيت أي ناحيته ووجهته .
وذكر ذلك النص لتأكيد الاتجاه ، وأنه شرط لصحة الصلاة دائم مستمر لا فرق بين سفر وحضر ، ولا فرق بين راكب وراجل ، ولقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني عن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك قال : "
كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا كان في سفر فأراد أن يصلي على راحلته استقبل القبلة وكبر ثم صلى حيث توجهت به " ، أي أنه كان يلاحظ دائما أن يكون ناحية القبلة .
وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=149فول وجهك الفاء هنا في معنى جواب الشرط .
[ ص: 459 ] وقد أكد الله تعالى القبلة إلى
البيت الحرام ، فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=149وإنه للحق من ربك والضمير يعود على تولية الوجه ، وقد أثبت الله تعالى بهذا أنه الحق ، وأكده بإن واللام ، والجملة الاسمية ، وإسناد هذا الحق لله تعالى ، والتعبير عن الله جل جلاله للدلالة بربك للإشارة إلى أنه اقتضته تربيته لك ، وقيامه على شؤونك ، وأنه سار على حكمته ، ولأنه رأى تقلب وجهك في السماء ، وإن ذلك الحق ثابت في كتبهم ، فإنه ثابت في التوراة أن القبلة تتحول إلى فاران أي إلى
مكة .
وبعد أن أكد سبحانه وتعالى وجوب
nindex.php?page=treesubj&link=1499الاتجاه إلى القبلة في السفر والإقامة - بين سبحانه ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه تحت سلطان علمه وحكمته ، وأنه رقيب على المؤمنين ليس بغافل عنهم ليتحروا القبلة ويتعرفوها ، ولا يصلوا إلا بعد هذا التحري فقال تعالت كلماته :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=149وما الله بغافل عما تعملون
نفى الله تعالى وجل جلاله عن نفسه الغفلة ، أي أثبت العلم الكامل ، بتأكيد نفي أن يقع فعل في الوجود على غير علم منه ، باستغراق النفي ، وبذكر لفظ الجلالة الذي يتصف بكل كمال ، ويستحيل عليه أي نقص ، وبالباء الدالة على استغراق النفي .
وإن هذا الكلام السامي قد يكون إنذارا ، ولكنه موجه إلى المؤمنين ، وليس موجها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بدليل أن الخطاب كان باللفظ الدال على الجمع ،
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=149عما تعملون
وقد أكد سبحانه وتعالى الأمر للنبي - صلى الله عليه وسلم - بتكراره ، وذكر الأمر للمؤمنين أجمعين تعميما للأماكن ، حيثما كانوا في سفر أو إقامة كما أشرنا ، فقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=150ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وكان التكرار في شأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لتعدد أسفاره ، وغزواته ، وأن القبلة الاتجاه إليها شرط لصحة الصلاة في كل الأحوال إلا أن يكون ذلك في حال الخوف ، وتكون صلاة الخوف ، ولا يمكن الاتجاه إلى القبلة ، إذ يستدبر العدو ، فيأتيهم من حيث لا يشعرون ، وقد بين الله تعالى صلاة الخوف فقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=102وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم [ ص: 460 ] معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=103فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا
* * *
وقد تشير هذه النصوص الكريمة إلى أن
nindex.php?page=treesubj&link=1500استقبال القبلة إذا تعذر في حال الحرب جاز الاتجاه إلى غيرها من غير استدبار للضرورة والله تعالى هو الواقي .
وإن الله سبحانه وتعالى كرر طلب الاتجاه إلى
البيت الحرام حيثما كانوا ، ومن حيث خرجوا في سفرهم وفي مغازيهم ، وكرر ذلك تأكيدا للطلب لكيلا يرتاب مرتاب ، ولكي يكون حجة على الناس ، ولا يكون لهم حجة على النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ، ولذا قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=150لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا أي أكدنا الاتجاه إلى
البيت من أجل ألا يكون للناس حجة في عدم العلم ، ودليل عليكم في عدم تحويل القبلة إلى
الكعبة ، وأن يسيروا على القبلة التي كنتم عليها ، وهي إلى
بيت المقدس ، والحجة هي التي يستدل بها المخالف ، وذلك لأن اليهود والمنافقين لجوا في التساؤل والمناقشة وتوهين ذلك التحويل ، فأكد الله تعالى التوجه إلى
البيت الحرام ، والحجة التي نفاها الله تعالى هي حجة عدم العلم فأكده .
وقد استثنى الله تعالى من الذين لا تقوم لهم قائمة الذين ظلموا فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=150إلا الذين ظلموا وهذا الاستثناء أهو استثناء متصل أم استثناء منقطع بمعنى لكن ; لقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري : إنه استثناء متصل بمعنى أن الذين ظلموا لا تنتفي حجتهم ، وإن كانت واهية داحضة عند ربهم ، وقال : المعنى لا حجة لأحد عليكم إلا الحجة الداحضة حيث قالوا : " ما ولاهم " ، وقالوا : تحير
محمد في دينه ، وما توجه إلى قبلتنا إلا أنا كنا أهدى منه ، وغير ذلك من الأقوال التي لا تنبعث إلا من عابد وثن أو من يهودي أو منافق ، أي أنه لا حجة عليكم إلا المماراة وما يحسبونه حججا . وهو أقوال واهية
[ ص: 461 ] تدل على ضعف الإيمان عند قائلها وأنهم يقولون ما لا يؤمنون به ، ويكون الذين ظلموا هم اليهود والمنافقون .
وقال بعضهم : إن الاستثناء منقطع ، ويكون المعنى : لئلا يكون للناس حجة عليكم ، لكن الذين ظلموا ، لا يقنعهم دليل ولا تعظهم حجة ، بل إنهم يلجون في الباطل بأوهام باطلة ، فلا تنتظر منهم أن يلزموا أنفسهم بدليل مهما كانت قوته ; لأنهم معاندون جاحدون مكابرون .
ولذا قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=150فلا تخشوهم واخشوني الخشية نوعان : خشية الله تعالى وهي طمأنينة في القلوب تبعث على التوقي مما يغضب الله تعالى ، وهذه هي الخشية من الله تعالى وقد أمرنا بها ، وأن تمتلئ قلوبنا بالاطمئنان مع التوقي مما يغضب الله .
والخشية الأخرى الخوف والفزع ، وهي ما نهانا الله تعالى عنه ، فنهى أن نخاف أو أن نفزع أو أن نتوقع الأذى من هؤلاء الظالمين ، وأن نخشى الله تعالى فتمتلئ نفوسنا بالاطمئنان والتقوى .
كان التأكيد للاتجاه إلى
البيت الحرام لذلك ، ولأمر جليل آخر ، أشار إليه بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=150ولأتم نعمتي عليكم أي كانت القبلة لكيلا يكون للناس حجة عليكم .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=150ولأتم نعمتي عليكم إن نعم الله تعالى تتوالى على النبي ومن معه من المؤمنين ومن تمامها نعمة الاتجاه إلى الكعبة ، إذ إنها تضمنت إجابة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، إذ كان يقلب وجهه في السماء ليوليه قبلة يرضاها ، ولما فيه من تشريف
البيت الحرام ، ولما فيه من إحياء ملة
إبراهيم عليه السلام ، ولما فيه من تأليف
للعرب ، ولأن ذلك إيذان بفتح
مكة وإزالة دولة الأوثان ، وإقامة دعائم الإسلام ، وتلك كبرى النعم .
وذكر الله تعالى أمرا آخر ، وهو جماع الأمور كلها ، وسبيل الحق والإيمان وهو رجاء الهداية الكاملة ، فهذا من طرقها
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=150ولعلكم تهتدون الرجاء من الناس لا من الله ، فتعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .
* * *
nindex.php?page=treesubj&link=1597_30497_30532_34091_34370_34513_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=149وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ nindex.php?page=treesubj&link=1597_19995_29376_34370_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=150وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ [ ص: 458 ] شَطْرَهُ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ
* * *
تَبَيَّنَ فِي الْآيَاتِ السَّابِقَةِ اتِّبَاعُ الْقِبْلَةِ فِي حَالِ الْمُقِيمِينَ ، فَبَيَّنَتْ حَيْثُ يُقِيمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَبَيَّنَتْ حَيْثُ يُقِيمُ الْمُسْلِمُونَ فِي الْأَمَاكِنِ الْإِسْلَامِيَّةِ ، كُلٌّ فِي مَكَانِ إِقَامَتِهِ ، فَقَالَ فِيمَا تَلَوْنَا مِنْ قَبْلُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=144وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ
وَفِي النَّصِّ السَّامِي يُبَيِّنُ أَنَّ الْقِبْلَةَ لَا بُدَّ مِنَ الِاتِّجَاهِ إِلَيْهَا فِي السَّفَرِ كَمَا يَجِبُ الِاتِّجَاهُ إِلَيْهَا فِي حَالِ الْإِقَامَةِ ، فَإِذَا خَرَجَ مِنْ مَكَانِ إِقَامَتِهِ اتَّجَهَ إِلَيْهَا ، فَلَا تَسْقُطُ فَرْضِيَّتُهَا فِي السَّفَرِ ; وَلِذَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=149وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ " مِنْ " هُنَا أَيْ مِنْ أَيِّ مَكَانٍ خَرَجْتَ ، وَفِي أَيِّ مَكَانٍ حَلَلْتَ ، فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، أَيْ نَاحِيَتَهُ ; إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَكَانٍ وَمَكَانٍ وَلَا سَفَرٍ وَلَا إِقَامَةٍ ، فَالِاتِّجَاهُ ضَرُورِيٌّ ، أَيْ أَنَّ السَّفَرَ لَا يُسَوِّغُ تَرْكَ الِاتِّجَاهِ شَطْرَ
الْبَيْتِ أَيْ نَاحِيَتَهُ وَوُجْهَتَهُ .
وَذُكِرَ ذَلِكَ النَّصُّ لِتَأْكِيدِ الِاتِّجَاهِ ، وَأَنَّهُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ دَائِمٌ مُسْتَمِرٌّ لَا فَرْقَ بَيْنَ سَفَرٍ وَحَضَرٍ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ رَاكِبٍ وَرَاجِلٍ ، وَلَقَدْ رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=9أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : "
كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا كَانَ فِي سَفَرٍ فَأَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى رَاحِلَتِهِ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَكَبَّرَ ثُمَّ صَلَّى حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ " ، أَيْ أَنَّهُ كَانَ يُلَاحِظُ دَائِمًا أَنْ يَكُونَ نَاحِيَةَ الْقِبْلَةِ .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=149فَوَلِّ وَجْهَكَ الْفَاءُ هُنَا فِي مَعْنَى جَوَابِ الشَّرْطِ .
[ ص: 459 ] وَقَدْ أَكَّدَ اللَّهُ تَعَالَى الْقِبْلَةَ إِلَى
الْبَيْتِ الْحَرَامِ ، فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=149وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَالضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى تَوْلِيَةِ الْوَجْهِ ، وَقَدْ أَثْبَتَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَذَا أَنَّهُ الْحَقُّ ، وَأَكَّدَهُ بِإِنَّ وَاللَّامِ ، وَالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ ، وَإِسْنَادِ هَذَا الْحَقِّ لِلَّهِ تَعَالَى ، وَالتَّعْبِيرُ عَنِ اللَّهِ جَلَّ جَلَالُهُ لِلدَّلَالَةِ بِرَبِّكَ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّهُ اقْتَضَتْهُ تَرْبِيَتُهُ لَكَ ، وَقِيَامُهُ عَلَى شُؤُونِكَ ، وَأَنَّهُ سَارَ عَلَى حِكْمَتِهِ ، وَلِأَنَّهُ رَأَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ، وَإِنَّ ذَلِكَ الْحَقَّ ثَابِتٌ فِي كُتُبِهِمْ ، فَإِنَّهُ ثَابِتٌ فِي التَّوْرَاةِ أَنَّ الْقِبْلَةَ تَتَحَوَّلُ إِلَى فَارَانَ أَيْ إِلَى
مَكَّةَ .
وَبَعْدَ أَنْ أَكَّدَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وُجُوبَ
nindex.php?page=treesubj&link=1499الِاتِّجَاهِ إِلَى الْقِبْلَةِ فِي السَّفَرِ وَالْإِقَامَةِ - بَيَّنَ سُبْحَانَهُ ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ تَحْتَ سُلْطَانِ عِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ ، وَأَنَّهُ رَقِيبٌ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ لَيْسَ بِغَافِلٍ عَنْهُمْ لِيَتَحَرَّوُا الْقِبْلَةَ وَيَتَعَرَّفُوهَا ، وَلَا يُصَلُّوا إِلَّا بَعْدَ هَذَا التَّحَرِّي فَقَالَ تَعَالَتْ كَلِمَاتُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=149وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ
نَفَى اللَّهُ تَعَالَى وَجَلَّ جَلَالُهُ عَنْ نَفْسِهِ الْغَفْلَةَ ، أَيْ أَثْبَتَ الْعِلْمَ الْكَامِلَ ، بِتَأْكِيدِ نَفْيِ أَنْ يَقَعَ فِعْلٌ فِي الْوُجُودِ عَلَى غَيْرِ عِلْمٍ مِنْهُ ، بِاسْتِغْرَاقِ النَّفْيِ ، وَبِذِكْرِ لَفْظِ الْجَلَالَةِ الَّذِي يَتَّصِفُ بِكُلِّ كَمَالٍ ، وَيَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ أَيُّ نَقْصٍ ، وَبِالْبَاءِ الدَّالَّةِ عَلَى اسْتِغْرَاقِ النَّفْيِ .
وَإِنَّ هَذَا الْكَلَامَ السَّامِيَ قَدْ يَكُونُ إِنْذَارًا ، وَلَكِنَّهُ مُوَجَّهٌ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ ، وَلَيْسَ مُوَجَّهًا إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِدَلِيلِ أَنَّ الْخِطَابَ كَانَ بِاللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى الْجَمْعِ ،
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=149عَمَّا تَعْمَلُونَ
وَقَدْ أَكَّدَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْأَمْرَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَكْرَارِهِ ، وَذِكْرُ الْأَمْرِ لِلْمُؤْمِنِينَ أَجْمَعِينَ تَعْمِيمًا لِلْأَمَاكِنِ ، حَيْثُمَا كَانُوا فِي سَفَرٍ أَوْ إِقَامَةٍ كَمَا أَشَرْنَا ، فَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=150وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَكَانَ التَّكْرَارُ فِي شَأْنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِتَعَدُّدِ أَسْفَارِهِ ، وَغَزَوَاتِهِ ، وَأَنَّ الْقِبْلَةَ الِاتِّجَاهُ إِلَيْهَا شَرْطٌ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي حَالِ الْخَوْفِ ، وَتَكُونُ صَلَاةُ الْخَوْفِ ، وَلَا يُمْكِنُ الِاتِّجَاهُ إِلَى الْقِبْلَةِ ، إِذْ يَسْتَدْبِرُ الْعَدُوَّ ، فَيَأْتِيهِمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ ، وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى صَلَاةَ الْخَوْفِ فَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=102وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ [ ص: 460 ] مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتِكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنْ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=103فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا
* * *
وَقَدْ تُشِيرُ هَذِهِ النُّصُوصُ الْكَرِيمَةُ إِلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=1500اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ إِذَا تَعَذَّرَ فِي حَالِ الْحَرْبِ جَازَ الِاتِّجَاهُ إِلَى غَيْرِهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِدْبَارٍ لِلضَّرُورَةِ وَاللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْوَاقِي .
وَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كَرَّرَ طَلَبَ الِاتِّجَاهِ إِلَى
الْبَيْتِ الْحَرَامِ حَيْثُمَا كَانُوا ، وَمِنْ حَيْثُ خَرَجُوا فِي سَفَرِهِمْ وَفِي مَغَازِيهِمْ ، وَكَرَّرَ ذَلِكَ تَأْكِيدًا لِلطَّلَبِ لِكَيْلَا يَرْتَابَ مُرْتَابٌ ، وَلِكَيْ يَكُونَ حُجَّةً عَلَى النَّاسِ ، وَلَا يَكُونُ لَهُمْ حُجَّةٌ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ ، وَلِذَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=150لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيْ أَكَّدْنَا الِاتِّجَاهَ إِلَى
الْبَيْتِ مِنْ أَجْلِ أَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ حُجَّةٌ فِي عَدَمِ الْعِلْمِ ، وَدَلِيلٌ عَلَيْكُمْ فِي عَدَمِ تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ إِلَى
الْكَعْبَةِ ، وَأَنْ يَسِيرُوا عَلَى الْقِبْلَةِ الَّتِي كُنْتُمْ عَلَيْهَا ، وَهِيَ إِلَى
بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، وَالْحُجَّةُ هِيَ الَّتِي يَسْتَدِلُّ بِهَا الْمُخَالِفُ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْيَهُودَ وَالْمُنَافِقِينَ لَجُّوا فِي التَّسَاؤُلِ وَالْمُنَاقَشَةِ وَتَوْهِينِ ذَلِكَ التَّحْوِيلِ ، فَأَكَّدَ اللَّهُ تَعَالَى التَّوَجُّهَ إِلَى
الْبَيْتِ الْحَرَامِ ، وَالْحَجَّةُ الَّتِي نَفَاهَا اللَّهُ تَعَالَى هِيَ حُجَّةُ عَدَمِ الْعِلْمِ فَأَكَّدَهُ .
وَقَدِ اسْتَثْنَى اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الَّذِينَ لَا تَقُومُ لَهُمْ قَائِمَةٌ الَّذِينَ ظَلَمُوا فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=150إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ أَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُتَّصِلٌ أَمِ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ بِمَعْنَى لَكِنْ ; لَقَدْ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطَّبَرِيُّ : إِنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مُتَّصِلٌ بِمَعْنَى أَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا لَا تَنْتَفِي حُجَّتُهُمْ ، وَإِنْ كَانَتْ وَاهِيَةً دَاحِضَةً عِنْدَ رَبِّهِمْ ، وَقَالَ : الْمَعْنَى لَا حُجَّةَ لِأَحَدٍ عَلَيْكُمْ إِلَّا الْحُجَّةَ الدَّاحِضَةَ حَيْثُ قَالُوا : " مَا وَلَّاهُمْ " ، وَقَالُوا : تَحَيَّرَ
مُحَمَّدٌ فِي دِينِهِ ، وَمَا تَوَجَّهَ إِلَى قِبْلَتِنَا إِلَّا أَنَّا كُنَّا أَهْدَى مِنْهُ ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأَقْوَالِ الَّتِي لَا تَنْبَعِثُ إِلَّا مِنْ عَابِدِ وَثَنٍ أَوْ مِنْ يَهُودِيٍّ أَوْ مُنَافِقٍ ، أَيْ أَنَّهُ لَا حُجَّةَ عَلَيْكُمْ إِلَّا الْمُمَارَاةَ وَمَا يَحْسَبُونَهُ حُجَجًا . وَهُوَ أَقْوَالٌ وَاهِيَةٌ
[ ص: 461 ] تَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ الْإِيمَانِ عِنْدَ قَائِلِهَا وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ ، وَيَكُونُ الَّذِينَ ظَلَمُوا هُمُ الْيَهُودُ وَالْمُنَافِقُونَ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُنْقَطِعٌ ، وَيَكُونُ الْمَعْنَى : لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ حُجَّةٌ عَلَيْكُمْ ، لَكِنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا ، لَا يُقْنِعُهُمْ دَلِيلٌ وَلَا تَعِظُهُمْ حُجَّةٌ ، بَلْ إِنَّهُمْ يَلُجُّونَ فِي الْبَاطِلِ بِأَوْهَامٍ بَاطِلَةٍ ، فَلَا تَنْتَظِرْ مِنْهُمْ أَنْ يُلْزِمُوا أَنْفُسَهُمْ بِدَلِيلٍ مَهْمَا كَانَتْ قُوَّتُهُ ; لِأَنَّهُمْ مُعَانِدُونَ جَاحِدُونَ مُكَابِرُونَ .
وَلِذَا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=150فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي الْخَشْيَةُ نَوْعَانِ : خَشْيَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَهِيَ طُمَأْنِينَةٌ فِي الْقُلُوبِ تَبْعَثُ عَلَى التَّوَقِّي مِمَّا يُغْضِبُ اللَّهَ تَعَالَى ، وَهَذِهِ هِيَ الْخَشْيَةُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ أُمِرْنَا بِهَا ، وَأَنْ تَمْتَلِئَ قُلُوبُنَا بِالِاطْمِئْنَانِ مَعَ التَّوَقِّي مِمَّا يُغْضِبُ اللَّهَ .
وَالْخَشْيَةُ الْأُخْرَى الْخَوْفُ وَالْفَزَعُ ، وَهِيَ مَا نَهَانَا اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، فَنَهَى أَنْ نَخَافَ أَوْ أَنْ نَفْزَعَ أَوْ أَنْ نَتَوَقَّعَ الْأَذَى مِنْ هَؤُلَاءِ الظَّالِمِينَ ، وَأَنْ نَخْشَى اللَّهَ تَعَالَى فَتَمْتَلِئُ نُفُوسُنَا بِالِاطْمِئْنَانِ وَالتَّقْوَى .
كَانَ التَّأْكِيدُ لِلِاتِّجَاهِ إِلَى
الْبَيْتِ الْحَرَامِ لِذَلِكَ ، وَلِأَمْرٍ جَلِيلٍ آخَرَ ، أَشَارَ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=150وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ أَيْ كَانَتِ الْقِبْلَةُ لِكَيْلَا يَكُونَ لِلنَّاسِ حُجَّةٌ عَلَيْكُمْ .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=150وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ إِنَّ نِعَمَ اللَّهِ تَعَالَى تَتَوَالَى عَلَى النَّبِيِّ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَمِنْ تَمَامِهَا نِعْمَةُ الِاتِّجَاهِ إِلَى الْكَعْبَةِ ، إِذْ إِنَّهَا تَضَمَّنَتْ إِجَابَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، إِذْ كَانَ يُقَلِّبُ وَجْهَهُ فِي السَّمَاءِ لِيُوَلِّيَهُ قِبْلَةً يَرْضَاهَا ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ تَشْرِيفِ
الْبَيْتِ الْحَرَامِ ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ إِحْيَاءِ مِلَّةِ
إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ تَأْلِيفٍ
لِلْعَرَبِ ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ إِيذَانٌ بِفَتْحِ
مَكَّةَ وَإِزَالَةِ دَوْلَةِ الْأَوْثَانِ ، وَإِقَامَةِ دَعَائِمِ الْإِسْلَامِ ، وَتِلْكَ كُبْرَى النِّعَمِ .
وَذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَمْرًا آخَرَ ، وَهُوَ جِمَاعُ الْأُمُورِ كُلِّهَا ، وَسَبِيلُ الْحَقِّ وَالْإِيمَانِ وَهُوَ رَجَاءُ الْهِدَايَةِ الْكَامِلَةِ ، فَهَذَا مِنْ طُرُقِهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=150وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ الرَّجَاءُ مِنَ النَّاسِ لَا مِنَ اللَّهِ ، فَتَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا .
* * *