أما أوجه الاستعاذة فبحسب ما تقترن به من القراءة لأنها إما أن تقترن بأول السورة . وإما أن تقترن بغير أولها ولكل من هاتين الحالتين كلام خاص نوضحه فيما يلي :
الحالة الأولى : اقتران الاستعاذة بأول السورة :
إذا اقترنت الاستعاذة بأول السورة باستثناء أول سورة براءة فيجوز لجميع [ ص: 561 ] القراء أربعة أوجه وإليك ترتيبها حسب الأداء : الأول : قطع الجميع أي الوقف على الاستعاذة وعلى البسملة والابتداء بأول السورة .
الثاني : قطع الأول ووصل الثاني بالثالث أي الوقف على الاستعاذة ووصل البسملة بأول السورة .
الثالث : وصل الأول بالثاني وقطع الثالث أي وصل الاستعاذة بالبسملة والوقف عليها والابتداء بأول السورة .
الرابع : وصل الجميع أي وصل الاستعاذة بالبسملة بأول السورة جملة واحدة .
أما فليس فيه إلا وجهان لجميع القراء وهما : الابتداء من أول سورة براءة
الأول : القطع أي الوقف على الاستعاذة والابتداء بأول السورة من غير بسملة .
الثاني : الوصل أي وصل الاستعاذة بأول السورة من غير بسملة كذلك، وذلك لعدم كتابتها في أولها في جميع المصاحف العثمانية .
وفي أقوال كثيرة نذكر منها هنا ما قاله العلامة وجه عدم كتابة البسملة في أول براءة ابن الناظم في شرح طيبة والده الحافظ ابن الجزري ونصه : " واختلف في العلة التي من أجلها لا يبسمل في سورة براءة بحالة فذهب الأكثرون إلى أنه لسبب نزولها بالسيف يعني ما اشتملت عليه من الأمر بالقتل والأخذ والحصر ونبذ العهد وأيضا فيها الآية المسماة بآية السيف وهي : قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله الآية وذهب بعضهم إلى احتمال كونها من الأنفال " ا هـ منه بلفظه .
هذا : والأشهر فيما قرأته لأئمتنا من الأقوال في هذه المسألة هو نزولها بالسيف وهو مروي عن سيدنا رضي الله عنهما عن سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنه وعليه الجمهور من أهل العلم كما قال علي بن [ ص: 562 ] أبي طالب وإليه ذهب الإمام القاضي أبو بكر الباقلاني رحمه الله تعالى وفيه يقول في الشاطبية : الشاطبي
ومهما تصلها أو بدأت براءة لتنزيلها بالسيف لست مبسملا
ا هـالحالة الثانية : اقتران الاستعاذة بغير أول السورة :
وهذا إذا كان القارئ مبتدئا من أثناء السورة سواء كان الابتداء من أول الجزء أو الحزب أو الربع أو الثمن أو غير ذلك والمراد بأثناء السورة ما كان بعيدا عن أولها ولو بكلمة . وللقارئ حينئذ التخيير في أن يأتي بالبسملة بعد الاستعاذة أو لا يأتي بها . والإتيان بها أفضل من عدمه لفضلها والثواب المترتب على الإتيان بها وقد اختاره بعضهم قال الإمام رحمه الله في الدرر : ابن بري
واختارها بعض أولي الأداء لفضلها في أول الأجزاء
وبناء على هذا الخلاف إذا فيجوز للقارئ حينئذ الأوجه الأربعة السالفة الذكر التي في الابتداء بأول السورة، وإذا أتي بالبسملة بعد الاستعاذة فللقارئ حينئذ وجهان ليس غير : لم يؤت بالبسملة بعد الاستعاذة
أولهما : القطع أي الوقف على الاستعاذة والابتداء بأول الآية .
ثانيهما : الوصل أي وصل الاستعاذة بأول الآية .
ووجه القطع أولى من الوصل خصوصا إذا كان أول الآية المبتدأ بها اسما من أسماء الله تعالى أو ضميرا يعود إليه سبحانه وذلك نحو قوله تعالى : الله ولي الذين آمنوا وقوله سبحانه : الرحمن على العرش استوى ونحو قوله تعالى : وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو وقوله سبحانه : [ ص: 563 ] إليه يرد علم الساعة ففي هذا وشبهه قطع الاستعاذة أولى من وصلها لما فيه من البشاعة كما في النشر وغيث النفع وغيرهما . وقد اختاره الإمام في الكشف كما أكد على الإتيان بالبسملة والحالة هذه العارف بالله تعالى شيخ شيوخنا سيدي الشيخ أبو محمد مكي بن طالب مصطفى الميهي في فتح الكريم وعبارته " ويستحب البسملة في أثناء السورة ويتأكد ذلك عند نحو إليه يرد علم الساعة " وهو الذي " لما في ذكر ذلك بعد ذكر الاستعاذة من البشاعة وإيهام رجوع الضمير إلى الشيطان " ا هـ منه بحروفه .
وقد منع الشهاب البناء في إتحافه وصل البسملة بما بعدها في هذه الحال، وكذلك يمنع وصل الاستعاذة بأجزاء السورة إذا كان المبتدأ به اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم كالابتداء بقوله تعالى : محمد رسول الله فلا يجوز وصل الاستعاذة باسمه صلى الله عليه وسلم لما فيه من البشاعة أيضا ، وهنا ينبغي الإتيان بالبسملة . نبه على ذلك صاحب المكرر وهو كلام جيد لم أره لغيره وكما أن وصل الاستعاذة بأول أجزاء السورة ممنوع إذا كان أولها اسما من أسماء الله تعالى أو ضميرا يعود عليه سبحانه فينبغي النهي عن البسملة في قوله تعالى : [ ص: 564 ] الشيطان يعدكم الفقر وقوله تعالى : لعنه الله ونحو ذلك لما فيه من البشاعة أيضا . قاله الحافظ ابن الجزري في النشر وهو كلام نفيس واضح بين .
وأما الابتداء من أثناء سورة براءة ففيه التخيير السابق في الإتيان بالبسملة وعدمه . وذهب بعضهم إلى منع البسملة في الابتداء من أثنائها كما منعت من أولها . وهو مذهب حسن وبالله التوفيق .