[ ص: 200 ] استثناء ليس من الأول في موضع نصب. وزعم أن الاستثناء من محذوف، والمعنى عنده: إني لا يخاف لدي المرسلون إنما يخاف غيرهم إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء فإنه لا يخاف، وزعم الفراء : أيضا أن بعض النحويين يجعل إلا بمعنى الواو. قال الفراء : استثناء من محذوف محال لأنه استثناء من شيء لم يذكر ولو جاز هذا لجاز: إني أضرب القوم إلا زيدا بمعنى لا أضرب القوم إنما أضرب غيرهم إلا زيدا، وهذا ضد البيان، والمجيء بما لا يعرف معناه. وأما كان إلا بمعنى الواو فلا وجه له ولا يجوز في شيء من الكلام. ومعنى "إلا" خلاف معنى الواو لأنك إذا قلت: جاءني إخوتك إلا زيدا، أخرجت زيدا مما دخل فيه الإخوة. وإذا قلت: جاءني إخوتك وزيد، أدخلت زيدا فيما دخل فيه الإخوة فلا شبه بينهما ولا تقارب. وفي الآية قول ثالث يكون المعنى أن أبو جعفر موسى صلى الله عليه وسلم لما خاف من الحية فقال له جل وعز: لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون، علم جل وعز أن من عصى منهم يسر الخيفة فاستثناه فقال: إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء أي فإنه يخاف، وإن كنت قد غفرت له فإن قال قائل: فما معنى الخوف بعد التوبة والمغفرة؟ قيل له: هذه سبيل العلماء بالله جل وعز أن يكونوا خائفين من معاصيه، وجلين وهم أيضا لا يأمنون أن يكون قد بقي من أشراط التوبة شيء لم يأتوا به، فهم يخافون من المطالبة به، وقرأ مجاهد ثم بدل حسنا بعد سوء قال : وهذا بعيد من غير جهة، منها أنه أقام الصفة مقام الموصوف في شيء مشترك، ومنها أن ازدواج الكلام بدل حسنا بعد سيئ على أن بعضهم قد أنشد بيت أبو جعفر زهير : [ ص: 201 ]
يطلب شأو امرأين قدما حسنا فاقا الملوك وبذا هذه السوقا