ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا [3]
حكى أهل اللغة أنه يقال : جلا القوم عن منازلهم وأجليتهم هذا الفصيح ، وحكى أحمد بن يحيى ثعلب أجلوا ، وحكى غيره جلوا عن منازلهم يجلون ، واستعمل فلال على الجالية والجالة ، وقرأ أكثر الناس ، وهي اللغة الفصيحة المعروفة من كلام العرب التي نقلتها الجماعة التي تجب بها الحجة ، ( ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء) بكسر الهاء وضم الميم ، فممن قرأ بها : أبو جعفر وشيبة ونافع وعبد الله بن عامر ، وقرأ وعاصم الأعمش وحمزة ( عليهم الجلاء) بضم الهاء والميم . وقرأ والكسائي ( عليهم الجلاء) بكسر الهاء والميم . قال أبو عمرو بن العلاء : والقراءة الأولى كسرت فيها الهاء لمجاوزتها الياء فاستثقلت ضمة بعد ياء ، وأيضا فإن آخر مخرج الهاء عند مخرج الياء وضمت الميم لأن أصلها الضم فردت إلى أصلها ، وهذه القراءة البينة والقراءة الثانية على الأصل إلا أن أبو جعفر الأعمش لا يقرآن ( عليهم) إلا أن يلقى الميم ساكن ولا يعرف عن أحد من القراء من جهة صحيحة أنه قرأ ( عليهم) إلا والكسائي ثم أنه خالف ذلك فقرأ فيهم ولم يضم إلا في عليهم وإليهم ولديهم إلا حمزة ابن كيسان احتج له في تخصيصه هذه الثلاثة ، فقال : عليهم وإليهم ولديهم ليست الياء فيهن ياء محضة ، وأصلها الألف لأنك تقول : على القوم ، فلهذا أقروها على ضمتها؛ لأن الياء أصلها الألف والياء في "في" ياء محضة . قال : وسألت لم قرأ أبا العباس عليهم بكسر الهاء فلما قال : ( عليهم) ضمها؟ فقال : إنما كسرها اتباعا للياء؛ لأن الكسرة أخت الياء فلما اضطر [ ص: 390 ] إلى ضم الميم لالتقاء الساكنين لأن الضم أصلها كان الأولى أن يتبع الهاء الميم فيضمها أي لأن أصلها الضم وبعدها مضموم . قال الكسائي : وهذا أحسن ما قيل في هذا ، فأما قراءة أبو جعفر ( عليهم الجلاء) ففيها حجتان إحداهما أنه كسر الميم لالتقاء الساكنين . وهذه حجة لا معنى لها؛ لأنه إنما يكسر لالتقاء الساكنين ما لم يكن له أصل في الحركة فأما أن تدع الأصل وتجتلب حركة أخرى فغير جائز ، والحجة الأخرى صحيحة ، وهو إنما كسر الهاء اتباعا للياء؛ لأنه استثقل ضمة بعد ياء ، وكذلك أيضا استثقل ضمة بعد كسرة فأبدل منها كسرة إتباعا كما فعل بالهاء فقال ( عليهم الجلاء) ( أبي عمرو لعذبهم في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب النار ) أي مع الخزي الذي لحقهم في الدنيا من الجلاء . قال : الجلاء الخروج من بلد إلى بلد ، وقيل : معنى كتب حكم وهو مجاز ، وقيل : كتبه في اللوح المحفوظ . قتادة