قال أبو إسحاق : الهمزة التي للاستفهام ألف مبتدأة؛ ولا يمكن تخفيف الهمزة المبتدأة؛ ولكن إن ألقي همزة ألف الاستفهام على سكون الميم من " عليهم " ؛ فقلت: " عليهم أنذرتهم " ؛ جاز؛ ولكن لم يقرأ به أحد؛ والهمزتان في [ ص: 79 ] قوله: " فقد جاء أشراطها " ؛ همزتان في وسط الكلمة؛ ويمكن تخفيف الأولى؛ فأما من خفف الهمزة الأولى في قوله: " أأنذرتهم " ؛ فإنه طرحها البتة؛ وألقى حركتها على الميم؛ ولا أعلم أحدا قرأ بها؛ والواجب - على لغة أهل الحجاز - أن يكون: " عليهم انذرتهم " ؛ فيفتح الميم؛ ويجعل الهمزة الثانية بين بين؛ وعلى هذا مذهب جميع أهل الحجاز؛ ويجوز أن يكون " لا يؤمنون " ؛ خبر " إن " ؛ كأنه قيل: " إن الذين كفروا لا يؤمنون؛ سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم " ؛ هؤلاء قوم أنبأ الله - تبارك وتعالى - النبي - صلى الله عليه وسلم - أنهم لا يؤمنون؛ كما قال - عز وجل -: ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد ؛ فأما الهمزتان إذا كانتا مكسورتين؛ نحو قوله - عز وجل -: على البغاء إن أردن تحصنا ؛ وإذا كانتا مضمومتين؛ نحو قوله: أولياء أولئك ؛ فإن أبا عمرو يخفف الهمزة الأولى فيهما؛ فيقول: " على البغا إن أردن " ؛ و: " أوليا أولئك " ؛ فيجعل الهمزة الأولى من " البغاء " ؛ بين الهمزة؛ والياء؛ ويكسرها؛ ويجعل الهمزة في قولك: " أوليا أولئك " ؛ الأولى؛ بين الواو؛ والهمزة؛ ويضمها.
وحكى أبو عبيدة أن أبا عمرو كان يجعل مكان الهمزة الأولى كسرة في " البغاء إن " ؛ وضمة في " أولياء أولئك " ؛ أبو عبيدة لا يحكي إلا ما سمع؛ لأنه الثقة المأمون عند العلماء؛ إلا أنه لا يضبط مثل هذا الموضع؛ لأن الذي قاله محال؛ لأن الهمزة إذا سقطت؛ وأبدلت منها كسرة؛ وضمة - على ما وصف - [ ص: 80 ] بقيت الحركتان في غير حرف؛ وهذا محال؛ لأن الحركة لا تكون في غير محرك.
قال أبو إسحاق : والذي حكيناه آنفا رواية سيبويه عن أبي عمرو ؛ وهو أضبط لهذا؛ وأما قوله: السفهاء ألا ؛ وقوله: وإليه النشور أأمنتم من في السماء أن ؛ فإن الهمزتين إذا اختلفتا؛ حكى أبو عبيدة أن أبا عمرو كان يبدل من الثانية فتحة؛ وهذا خلاف ما حكاه سيبويه ؛ والقول فيه أيضا محال؛ لأن الفتحة لا تقوم بذاتها؛ إنما تقوم على حرف؛ وجملة ما يقول النحويون في المسألة الأولى؛ في مثل قوله: " على البغاء إن " ؛ أو: " أولياء أولئك " ؛ ثلاثة أقوال؛ على لغة غير أهل الحجاز؛ فأحد هذه الثلاثة - وهو مذهب سيبويه ؛ والخليل - أن يجعل مكان الهمزة الثانية همزة بين بين؛ فإذا كان مضموما جعل الهمزة بين الواو؛ والهمزة؛ فقال: " أولياء اولئك " ؛ وإذا كان مكسورا جعل الهمزة بين الياء؛ والهمزة؛ فقال: " على البغاءين " ؛ وأما أبو عمرو فقرأ على ما ذكرناه؛ وأما ابن أبي إسحاق - ومذهبه مذهب جماعة من القراء - فيجمع بين الهمزتين؛ فيقرأ: " أولياء أولئك " ؛ و: " على البغاء إن أردن " ؛ بتحقيق الهمزتين؛ وأما اختلاف الهمزتين؛ نحو " السفهاء ألا " ؛ فأكثر القراء على مذهب ابن أبي إسحاق ؛ وأما أبو عمرو فيحقق الهمزة الثانية في رواية سيبويه ؛ ويخفف [ ص: 81 ] الأولى؛ فيجعلها بين الواو والهمزة؛ فيقول: " السفهاا ألا " ؛ بين بين؛ ويقول: " من في السماي أن " ؛ فيحقق الثانية؛ وأما سيبويه ؛ والخليل ؛ فيقولان: " السفهاء ولا " ؛ فيجعلان الهمزة الثانية واوا خالصة؛ وفي قوله: " من في السماء ين " ؛ ياء خالصة مفتوحة؛ فهذا جميع ما في هذا الباب.
وقد ذكر أبو عبيدة أن بعضهم روى عن أبي عمرو أنه كان إذا اجتمعت همزتان طرحت إحداهما؛ وهذا ليس بثبت؛ لأن القياس لا يوجبه؛ وأبو عبيد لم يحقق في روايته؛ لأنه قال: رواه بعضهم؛ وباب رواية القراءة عن المقرئ يجب أن يقل الاختلاف فيه؛ فإن كان هذا صحيحا عنه؛ فهو يجوزه في نحو: " سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم " ؛ وفي مثل قوله: آلذكرين حرم أم الأنثيين ؛ فيطرح همزة الاستفهام؛ لأن " أم " ؛ تدل عليها؛ قال الشاعر:
لعمرك ما أدري وإن كنت داريا ... شعيث بن سهم أم شعيث بن منقر
[ ص: 82 ] وقال عمر بن أبي ربيعة:
لعمرك ما أدري وإن كنت داريا ... بسبع رمين الجمر أم بثمان
البيت الأول أنشده الخليل ؛ وسيبويه؛ والبيت الثاني صحيح أيضا.


