[ ص: 233 ] سورة "الجن"
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله - عز وجل -: قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن ؛ القراءة: " أوحي " ؛ بإثبات الواو؛ وقد قرئت: "قل أحي إلي"؛ بغير واو؛ فمن قال: "أحي إلي"؛ فهو من "وحيت إليه"؛ والأكثر "أوحيت إليه"؛ والأصل: "وحي"؛ ولكن الواو إذا انضمت قد تبدل منها الهمزة؛ نحو: وإذا الرسل أقتت ؛ أصله "وقتت"؛ لأنه من "الوقت"؛ وجاء في التفسير أن هؤلاء النفر الذين من الجن استمعوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي الصبح ببطن نخلة؛ وهو قوله: وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا ؛ أي: قال بعضهم لبعض: "أمسكوا عن الكلام واستمعوا"؛ وقيل: إنهم كانوا من جن نصيبين؛ وقيل: إنهم كانوا من اليمن؛ وقيل: إنهم كانوا يهودا؛ وقيل: إنهم كانوا مشركين؛ فأما قوله: أنه استمع نفر من الجن ؛ و "أن"؛ مفتوحة؛ لا غير. وقوله: إنا سمعنا ؛ وقوله: فإن له ؛ وقوله: فإنه يسلك ؛ فهذه الثلاث مكسورة لا غير؛ وقد اختلف القراء فيما في هذه السورة غير هذه الحروف الثلاث؛ فقال بعضهم: "وأنه"؛ و"أنا"؛ فأما فروى عنه عاصم؛ مثل قراءة أبو بكر بن عياش ومن تابعه؛ وروى نافع؛ عن الفتح؛ فيما قرأه حفص بن سليمان بالكسر؛ والذي يختاره النحويون قراءة أبو بكر ومن تابعه في هذه الآية عندهم ما كان محمولا على [ ص: 234 ] الوحي فهو "أنه"؛ بفتح "أن"؛ وما كان من قول الجن فهو مكسور؛ معطوف على قوله: نافع؛ فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا ؛ وعلى هذه القراءة يكون المعنى: "وقالوا إنه تعالى جد ربنا"؛ "وقالوا: إنه كان يقول سفيهنا"؛ ومن فتح فذكر بعض النحويين أنه معطوف على الهاء؛ المعنى عنده: "فآمنا به وبأنه تعالى جد ربنا"؛ وكذلك ما بعد هذا عنده؛ وهذا رديء في القياس؛ لا يعطف على الهاء المكنية المخفوضة إلا بإظهار الخافض؛ ولكن وجهه أن يكون محمولا على معنى آمنا به؛ لأن معنى "آمنا به": صدقناه؛ وعلمناه؛ ويكون المعنى: "وصدقنا أنه تعالى جد ربنا".