حلفت فلم أترك لنفسك ريبة ... وهل يأثمن ذو أمة وهو طائع؟!
أي: هل يأثمن ذو طريقة من طرائق الدين وهو طائع؟! فإنما المعنى أنه لا يستوي الذين قتلوا الأنبياء بغير حق؛ والذين يتلون آيات الله آناء الليل وهم ذوو طريقة مستقيمة. [ ص: 459 ] ومعنى آناء الليل ؛ ساعات الليل؛ قال أهل اللغة: واحد " آناء الليل " : " إني " ؛ و " آناء " ؛ مثل؛ " نحي " ؛ و " أنحاء " ؛ وأنشد أهل اللغة في ذلك قول الشاعر:
حلو ومر كطعم القدح مرته ... بكل إني حذاه الليل ينتعل
قالوا: واحدها " إنى " ؛ مثل " معى " ؛ و " أمعاء " ؛ وحكى : " إنو " . وقوله - عز وجل -: الأخفش وهم يسجدون ؛ معناه: وهم يصلون؛ لأن التلاوة ليست في السجود؛ وإنما ذكرت الصلاة بالسجود؛ لأن السجود نهاية ما فيها من التواضع؛ والخشوع؛ والتضرع؛ ومعنى " يتلون " ؛ في اللغة: يتبعون بعض الشيء بعضا؛ و " قد استتلاك الشيء " ؛ إذا جعلك تتبعه؛ قال الشاعر:
قد جعلت دلوي تستليني ... ولا أحب تبع القرين
إن لم يرد سماحتي وليني
وقال بعض أهل اللغة: المعنى: منهم أمة قائمة؛ وأمة على غير ذلك؛ وأنشد في ذلك قول الشاعر:
عصاني إليها القلب إني لأمره ... سميع فما أدري أرشد طلابها
ولم يقل: " أم هو في غي " ؛ لأن في الكلام دليلا عليه؛ قال: والعرب تضمر هذا إذا عرفت مثل هذا - عرفت المعنى -؛ [ ص: 460 ] وهذا الذي قال خطأ فاحش في مثل هذا المكان؛ لأن ذكر أهل الكتاب قد جرى في هذه القصة بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله؛ ويقتلون الأنبياء بغير حق؛ فأعلم الله - جل وعز - أن منهم المؤمنين؛ الذين هم أمة قائمة؛ فما الحاجة إلى أن يقال: " غير قائمة " ؛ وإنما المبدوء به ههنا ما كان من فعل أكثرهم من الكفر؛ والمشاقة للنبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فذكر من كان مباينا هؤلاء؛ وذكر في التفسير أن هذا يعنى به ؛ وأصحابه؛ ومعنى عبد الله بن سلام ويأمرون بالمعروف ؛ ههنا: أي: يأمرون باتباع النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ وينهون عن المنكر ؛ عن الإقامة على مشاقته - صلى الله عليه وسلم.