وقوله : فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ؛ أي ظلم أشنع من الكذب على الله؟! وقوله : أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب ؛ أي : ما أخبر الله - جل ثناؤه - عن جزائهم؛ نحو قوله : فأنذرتكم نارا تلظى ؛ [ ص: 335 ] ونحو قوله : يسلكه عذابا صعدا ؛ ونحو قوله : إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ؛ ونحو : إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون في الحميم ؛ فهذه أنصبتهم من الكتاب؛ على قدر ذنوبهم في كفرهم؛ حتى إذا جاءتهم رسلنا ؛ زعم ؛ والخليل أن " حتى " ؛ و " أما " ؛ و " إلا " ؛ لا تجوز فيهن الإمالة؛ لا يجيز : " حتي إذا جاءتهم " ؛ ولا يجيز " أما " ؛ ولا " لا إله إلا الله " ؛ هذا لحن كله؛ وزعم أن هذه ألفات الفتح؛ لأنها أواخر حروف جاءت لمعنى؛ ففصل بينها وبين أواخر الأسماء التي فيها الألف؛ نحو : " حبلى " ؛ و " هدى " ؛ إلا أن " حتى " ؛ كتبت بالياء؛ لأنها على أربعة أحرف؛ فأشبهت " سكرى " ؛ و " أما " ؛ التي للتخيير شبهت بـ " إن " ؛ التي ضمت إليها " ما " ؛ مثل قوله : سيبويه إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا ؛ كتبت بالألف لما وصفنا؛ و " إلا " ؛ أيضا كتبت بالألف لأنها لو كتبت بالياء لأشبهت " إلى " .
وقوله : حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم ؛ فيه - والله أعلم - وجهان؛ يكون " حتى إذا جاءتهم ملائكة الموت يتوفونهم سألوهم عند المعاينة؛ فيعرفون عند موتهم أنهم كانوا كافرين " ؛ لأنهم قالوا : أين ما كنتم تدعون من دون الله قالوا ضلوا عنا ؛ أي : بطلوا؛ وذهبوا. [ ص: 336 ] ويجوز - والله أعلم - أن يكون " حتى إذا جاءتهم رسلنا ملائكة العذاب يتوفونهم " ؛ فيكون " يتوفونهم " ؛ في هذا الموضع على ضربين؛ أحدهما " يتوفونهم عذابا " ؛ وهذا كما تقول : " قد قتلت فلانا بالعذاب " ؛ وإن لم يمت؛ ودليل هذا القول قوله - عز وجل - : ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ؛ وجائز - وهو أضعف الوجهين - أنهم يتوفون عدتهم؛ والله أعلم.