فصل فمن أمثلة الأول: أمثال القرآن، قسمان: ظاهر مصرح به، وكامن لا ذكر للمثل فيه، مثلهم كمثل الذي استوقد نارا . ضرب الله فيها للمنافقين مثلين، مثلا بالنار، ومثلا بالمطر. أخرج وغيره، من طريق علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس. قال: هذا مثل ضربه الله للمنافقين، كانوا يعتزون بالإسلام فيناكحهم المسلمون، ويوارثونهم، ويقاسمونهم الفيء، فلما ماتوا سلبهم الله العز، كما سلب صاحب النار ضوءه. ابن أبي حاتم وتركهم في ظلمات يقول: في عذاب. أو كصيب - وهو المطر - ضرب مثله في القرآن. فيه ظلمات - يقول ابتلاء، ورعد وبرق، وتخويف. يكاد البرق يخطف أبصارهم، يقول: يكاد محكم القرآن يدل على عورات المنافقين. كلما أضاء لهم مشوا فيه، يقول: كلما أصاب المنافقون في الإسلام عزا اطمأنوا، فإن أصاب الإسلام نكبة قاموا ليرجعوا إلى الكفر. كقوله: ومن الناس من يعبد الله على حرف . ومنها قوله تعالى: أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها . [ ص: 354 ] أخرج من طريق ابن أبي حاتم عن علي، قال: هذا مثل ضربه الله احتملت منه القلوب على قدر يقينها وشكها، فأما الزبد فيذهب جفاء وهو الشك، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض، وهو اليقين، كما يجعل الحلي في النار فيؤخذ خالصه ويترك خبثه في النار، كذلك يقبل الله اليقين ويترك الشك. وأخرج عن ابن عباس، عطاء، قال: هذا مثل ضربه الله للمؤمن والكافر. وأخرج عن قال: هذه ثلاثة أمثال ضربها الله في مثل واحد، يقول: كما اضمحل هذا الزبد فصار جفاء لا ينتفع به ولا ترجى بركته، كذلك يضمحل الباطل عن أهله، وكما مكث هذا الماء في الأرض فأمرعت ونمت بركته، وأخرجت نباتها، وكذلك الذهب والفضة حين أدخل النار، وذهب خبثه، كذلك يبقى الحق لأهله. وكما اضمحل خبث هذا الذهب والفضة حين أدخل النار كذلك يضمحل الباطل عن أهله. ومنها قوله تعالى: قتادة والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه الآية. أخرج من طريق ابن أبي حاتم، عن علي، قال: هذا مثل ضربه الله للمؤمن. يقول: هو طيب وعملة طيب، كما أن البلد الطيب ثمرها طيب. والذي خبث ضرب مثلا للكافر، كالبلد السبخة المالحة، والكافر هو الخبيث وعمله خبيث. ومنها قوله تعالى: ابن عباس، أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت الآية. أخرج عن البخاري، قال: قال ابن عباس، يوما لأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -: فيمن ترون نزلت هذه الآية: عمر بن الخطاب أيود أحدكم ، قالوا: الله ورسوله أعلم. فغضب فقال: قولوا نعم أو لا نعم. فقال عمر في نفسي منها شيء. فقال: يا ابن أخي، قل ولا تحقر نفسك. قال ابن عباس: ضربت مثلا لعمل. [ ص: 355 ] قال ابن عباس: أي عمل، قال عمر: لعمل رجل غني يعمل بطاعة الله. ثم بعث الله له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى أحرق أعماله. ابن عباس:
وأما الكامنة فقال سمعت الماوردي: أبا إسحاق إبراهيم بن مضارب بن إبراهيم يقول: سمعت أبي يقول: سألت فقلت: إنك تخرج أمثال الحسين بن الفضل، العرب والعجم من القرآن، فهل تجد في كتاب الله: " خير الأمور أوساطها "، قال: نعم. في أربعة مواضع: قوله: لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك . وقوله: والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما . وقوله تعالى: ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط . وقوله: ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا . قلت: فهل تجد في كتاب الله: "من جهل شيئا عاداه "، قال: نعم، في موضعين: بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه . وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم . قلت: فهل تجد في كتاب الله: " احذر شر من أحسنت إليه "، قال: نعم: وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله . قلت: فهل تجد في كتاب الله: " ليس الخبر كالعيان "، قال: في قوله: قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي . قلت: فهل تجد: " في الحركات البركات "، قال: في قوله: ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة . قلت: فهل تجد: " كما تدين تدان "، قال: في قوله تعالى: من يعمل سوءا يجز به . قلت: فهل تجد فيه قولهم: " حين تقلي تدري "، قال: وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيلا . [ ص: 356 ] قلت: فهل تجد فيه: " لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين "، قال: قال هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل . قلت: فهل تجد فيه: "من أعان ظالما سلط عليه "، قال: كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير . قلت: فهل تجد فيه قولهم: " لا تلد الحية إلا الحية"، قال: ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا . قلت: فهل تجد فيه قولهم: " للحيطان آذان "، قال: وفيكم سماعون لهم . قلت: فهل تجد فيه قولهم: " الجاهل مرزوق والعالم محروم "، قال: قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا . قلت: فهل تجد فيه: " الحلال لا يأتيك إلا قوتا، والحرام يأتيك جزافا ". قال: إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم .
فائدة عقد جعفر بن محمد شمس الخلافة في كتاب "الآداب " بابا في ألفاظ من القرآن جارية مجرى المثل، وهذا هو النوع البديعي المسمى بإرسال المثل، وأورد من ذلك قوله سبحانه: ليس لها من دون الله كاشفة . لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون . الآن حصحص الحق . وضرب لنا مثلا ونسي خلقه . ذلك بما قدمت يداك [ ص: 357 ] قضي الأمر الذي فيه تستفتيان . أليس الصبح بقريب . وحيل بينهم وبين ما يشتهون . لكل نبإ مستقر وسوف تعلمون . ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله . قل كل يعمل على شاكلته . وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم . كل نفس بما كسبت رهينة . ما على الرسول إلا البلاغ . ما على المحسنين من سبيل . هل جزاء الإحسان إلا الإحسان . كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله . آلآن وقد عصيت قبل . تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى . ولا ينبئك مثل خبير . كل حزب بما لديهم فرحون . ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم . وقليل من عبادي الشكور . لا يكلف الله نفسا إلا وسعها . لا يستوي الخبيث والطيب . ظهر الفساد في البر والبحر . ضعف الطالب والمطلوب لمثل هذا فليعمل العاملون . وقليل ما هم . فاعتبروا يا أولي الأبصار . في ألفاظ أخر.