الوجه الثاني والثلاثون فتارة يرجي وتارة يخوف قال من وجوه إعجازه (ما فيه من الآيات الجامعة للرجاء والعدل والتخويف) في المختار من الطيوريات: عن السلفي قال: لقي الشعبي، ركبا في سفر فيهم عمر بن الخطاب فأمر رجلا يناديهم من أين القوم، قالوا: أقبلنا من الفج العميق نريد ابن مسعود، البيت العتيق. فقال إن فيهم لعالما، [ ص: 358 ] فأمر رجلا أن يناديهم: أي القرآن أفضل، فأجاب عمر: عبد الله: الله لا إله إلا هو الحي القيوم . قال: نادهم أي القرآن أحكم، فقال ابن مسعود: إن الله يأمر بالعدل والإحسان . قال: نادهم أي القرآن أجمع، قال: فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره . قال: فنادهم أي القرآن أحزن، فقال: من يعمل سوءا يجز به . قال: فنادهم أي القرآن أرجى، فقال: قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله . فقال: أفيكم فقالوا: نعم. أخرجه ابن مسعود، في تفسيره بنحوه. وأخرج عبد الرزاق أيضا عن عبد الرزاق قال: أعدل آية في القرآن: ابن مسعود، إن الله يأمر بالعدل والإحسان . وأحكم آية: فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره . وأخرج أنه قال: إن أجمع آية في القرآن للخير والشر: الحاكم إن الله يأمر بالعدل والإحسان . وأخرج عنه، قال: ما في القرآن آية أعظم فرجا من آية في سورة الغرف: الطبراني قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم . وما في القرآن آية أكثر تفويضا من آية في سورة النساء القصرى: ومن يتوكل على الله فهو حسبه . وأخرج في فضائل القرآن، من طريق أبو ذر الهروي عن يحيى بن يعمر، عن ابن عمر، قال: ابن مسعود، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إن أعظم آية في القرآن: الله لا إله إلا هو الحي القيوم . وأعدل آية: إن الله يأمر بالعدل والإحسان . وأخوف آية: فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره . وأرجى آية: يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم . وقد اختلف في أرجى آية في القرآن، فقيل: هذه. [ ص: 359 ] وقال ابن عباس: أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي . قال: فرضي منه بقوله: بلى، فهذا لما يعترض في الصدر مما يوسوس به الشيطان. وقال في الحلية، عن أبو نعيم أنه قال: إنكم يا معشر أهل علي بن أبي طالب، العراق تقولون: أرجى آية في كتاب الله: قل يا عبادي الذين أسرفوا . ، لكنا أهل البيت نقول: إن أرجى آية في كتاب الله: ولسوف يعطيك ربك فترضى . وهي الشفاعة. وأخرج عن الواحدي، علي بن الحسين، قال: أشد آية على أهل النار: فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا . وأرجى آية في القرآن لأهل التوحيد: إن الله لا يغفر أن يشرك به . وأخرج في صحيحه، عن مسلم أيما آية أرجى عندي لهذه الأمة من قوله تعالى: ابن المبارك، ولا يأتل أولو الفضل منكم ، إلى قوله: ألا تحبون أن يغفر الله لكم ، لأنه أوصى بالإحسان إلى القاذف، وعاتب حبيبه على عدم الإحسان إليه، فقال: ألا تحبون أن يغفر الله لكم ، أي كما تحبون أن يغفر الله لكم كذلك اغفروا أنتم لمن أساء إليكم. ولما نزلت قال إني لأحب أن يغفر الله لي، ثم رد النفقة التي كان ينفق على أبو بكر: إليه، وكفر عن يمينه. وأخرج مسطح في كتاب التوبة، عن ابن أبي الدنيا قال: ما في القرآن أرجى عندي لهذه الأمة من قوله: أبي عثمان النهدي، وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا ، لأن عسى من الله لما يرجى أن يتحقق وقوعه. وقال إن قوله تعالى: أبو جعفر النحاس: فهل يهلك إلا القوم الفاسقون . أرجى آية، إلا أن قال: أرجى آية في القرآن: ابن عباس وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم ، ولم يقل على إحسانهم. [ ص: 360 ] وروى الهروي في مناقب عن الشافعي، ابن عبد الحكم، قال: سألت أي آية أرجى، قال: الشافعي يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة . وسألته عن أرجى حديث للمؤمن، قال: إذا كان يوم القيامة يدفع لكل مسلم رجل من الكفار فداؤه. وحكى الكرماني في كتاب العجائب أن أرجى آية: إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى . وحكى النووي - في رؤوس المسائل - أن أرجى آية: قل كل يعمل على شاكلته . وهل نجازي إلا الكفور . وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير . وفي مسند أحمد قال: حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ألا أخبركم بأفضل آية في كتاب الله تعالى، حدثنا بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: علي بن أبي طالب، وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير . وسأفسرها لك يا ما أصابكم من مرض، أو عقوبة، أو بلاء في الدنيا فبما كسبت أيديكم، والله أكرم من أن يثني العقوبة، وما عفا الله عنه في الدنيا فالله أحلم من أن يعود بعد عفوه. علي: وقال عن الشبلي: أرجى آية: قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف ، لأنه إذا أذن للكافر بدخول الباب إذا أتى بالتوحيد والشهادة أفتراه يخرج الداخل فيها والمقيم عليها. وقيل: إن قوله تعالى: غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول . لتعقيب هذا الوعيد العظيم بوعد كريم، وهكذا رحمة الله عز وجل تغلب غضبه. وهذه كالآية الأخرى: فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا . [ ص: 361 ] وحكى عن أهل الإشارة أنه تعالى غافر الذنب فضلا، وقابل التوب وعدا، شديد العقاب عدلا. فإن قلت: ما بال الواو في قوله: الثعلبي وقابل التوب ، قلت: فيها نكتة جليلة. وهي إفادة الجمع للمذنب التائب بين رحمتين، بين أن تقبل توبته فيكتبها له طاعة من الطاعات، وأن يجعلها ممحاة للذنوب كأن لم يذنب، كأنه قال: جامع المغفرة والقبول. وحكى عن الطبري أبي عياش أن رجلا جاء إلى رضي الله عنه، فقال: إني قتلت نفسا فهل لي من توبة، فقال: نعم، افعل ولا تيأس. ثم قرأ هذه الآية إلى قوله: عمر غافر الذنب وقابل التوب . وروي أنه افتقد رجلا ذا بأس شديد من أهل الشام، فقيل: له تتابع في هذا الشراب. فقال لكاتبه: اكتب من عمر إلى فلان: سلام عليك، وأنا أحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو: بسم الله الرحمن الرحيم عمر حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب وقابل التوب ... إلى قوله: إليه المصير . وختم الكتاب وقال لرسوله: لا تدفعه إليه حتى تجده صاحيا، ثم أمر من عنده بالدعاء له بالتوبة. فلما أتته الصحيفة جعل يقرؤها ويقول: قد وعدني. قد وعدني الله أن يغفر لي، وحذرني عقابه، فلم يبرح يرددها حتى بكى، ثم نزع فأحسن النزوع، وحسنت توبته. فلما بلغ أمره قال: هكذا فاصنعوا إذا رأيتم أخاكم قد زل زلة فسددوه، ووقفوه، وادعوا الله له أن يتوب عليه، ولا تكونوا أعوانا للشياطين عليه. أخذ ذلك من الحديث الذي أمر - صلى الله عليه وسلم - برجمه فقالوا: أخزاه الله. فقال - صلى الله عليه وسلم -: هلا قلتم اللهم اغفر له! لا تكونوا عونا للشيطان على أخيكم. وقيل: أرجى آية آية الدين، ووجهه أن الله أرشد عباده إلى مصالحهم [ ص: 362 ] الدنيوية، حتى انتهت العناية بمصالحهم إلى أمرهم بكتابة الدين الكثير والحقير، فمقتضى ذلك ترجي عفوه عنهم، لظهور العناية العظيمة بهم. قلت: ويلحق بهذا ما أخرجه عمر عن ابن المنذر، أنه ذكر عنده بنو إسرائيل وما فضلهم الله به، فقال: كان بنو إسرائيل إذا أذنب أحدهم ذنبا أصبح وقد كتبت كفارته على أسكفة بابه، وجعلت كفارة ذنوبكم قولا تقولونه، تستغفرون الله فيغفر لكم. والذي نفسي به، لقد أعطانا الله آية لهي أحب إلي من الدنيا وما فيها: ابن مسعود، والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم الآية. وما أخرجه في كتاب التوبة عن ابن أبي الدنيا قال: ثماني آيات في سورة النساء هن خير لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس وغربت: أولهن: ابن عباس، يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم . والثانية: والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما . والثالثة: يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا . والرابعة: إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما . والخامسة: إن الله لا يظلم مثقال ذرة . والسادسة: ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله . والسابعة: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء . والثامنة: والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم . وما أخرجه عن ابن أبي حاتم، قال: سئل عكرمة، أي آية أرخص في كتاب الله، قال: قوله تعالى: ابن عباس: إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا
. أشد آية: أخرج ابن راهويه في مسنده، أخبرنا أبو عامر العقدي، حدثنا عبد الجليل بن عطية، عن محمد بن المنتشر، قال: قال رجل إني لأعرف أشد آية في كتاب الله، فأهوى لعمر بن الخطاب: فضربه بالدرة، فقال: مالك! [ ص: 363 ] فنقبت عنها حتى علمتها؟ ما هي؟ قال: عمر من يعمل سوءا يجز به . فما منا أحد يعمل سوءا إلا جوزي به. فقال لبثنا حين نزلت ما ينفعنا طعام ولا شراب، حتى أنزل الله بعد ذلك ورخص: عمر: ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما . وأخرج عن ابن أبي حاتم قال: سألت الحسن، عن أشد آية في كتاب الله على أهل النار، قال: أبا برزة الأسلمي فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا . وفي صحيح عن البخاري، قال: ما في القرآن آية أشد على عباده من: سفيان، لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم . وأخرج عن ابن جرير، قال: ما في القرآن أشد توبيخا من هذه الآية: ابن عباس، لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت الآية . وأخرج في كتاب الزهد، عن ابن المبارك، في قول الله: الضحاك بن مزاحم لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت . قال: والله ما في القرآن آية أخوف عندي منها. وأخرج عن ابن أبي حاتم، قال: ما نزلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - آية كانت أشد عليه من قوله: الحسن، وتخفي في نفسك ما الله مبديه . وأخرج عن ابن المنذر، قال: لم يكن عندهم شيء أخوف من هذه الآية: ابن سيرين، ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين [ ص: 364 ] وعن أخوف آية في القرآن: أبي حنيفة: واتقوا النار التي أعدت للكافرين . وقال غيره: سنفرغ لكم أيه الثقلان . ولهذا قال بعضهم: لو سمعت هذه الكلمة من خفير الحارة لم أنم. وفي النوادر لأبي زيد: قال أشد آية على أهل الأهواء قوله تعالى: مالك: يوم تبيض وجوه وتسود وجوه . وتأولها على أهل الأهواء. وأخرج عن ابن أبي حاتم، قال: آيتان في كتاب الله ما أشدهما على من يجادل في الله: أبي العالية، ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا . وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد . وقال بعضهم: إن الله تعالى أنزل على نبيه خمس آيات لو لم تكن إلا واحدة لكان ينبغي لنا ألا نأكل ولا نشرب، أولها قوله تعالى: أم حسب الذين اجترحوا السيئات . والثانية قوله تعالى: أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة . والثالثة: أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا . والرابعة: أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا . والخامسة: سنفرغ لكم أيه الثقلان . وقال سورة الحج من أعاجيب القرآن، فيها مكي ومدني. وحضري وسفري، وليلي ونهاري، وحربي وسلمي، وناسخ ومنسوخ. فالمكي من رأس الثلاثين إلى آخرها، والمدني من رأس خمس عشرة إلى رأس الثلاثين، والليلي خمس آيات من أولها، والنهاري من رأس تسع آيات إلى رأس اثنتي عشرة آية. والحضري إلى رأس العشرين. قلت: والسفري أولها. والناسخ: السعيدي: أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا . والمنسوخ: الله يحكم بينكم . [ ص: 365 ] نسختها آية السيف. وقوله: وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته . نسختها: سنقرئك فلا تنسى . وقال الكرماني: ذكر المفسرون أن قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم . من أشكل آية في القرآن حكما ومعنى وإعرابا. وقال غيره: قوله تعالى: يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد . جمعت أصول أحكام الشريعة كلها: الأمر والنهي، والإباحة والخبر. وقال الكرماني في العجائب في قوله تعالى: نحن نقص عليك أحسن القصص . قيل هو قصة يوسف، وسماها أحسن القصص لاشتمالها على ذكر حاسد ومحسود، ومالك ومملوك، وشاهد ومشهود، وعاشق ومعشوق، وحبس وإطلاق، وسجن وخلاص، وخصب وجدب، وفيها مما يعجز عن بيانها طوق الخلق. وقال: ذكر عن أبو عبيدة رؤبة: ما في القرآن أغرب من قوله: فاصدع بما تؤمر . وقال ابن خالويه في كتاب " ليس ": ليس في كلام العرب لفظ جمع لغات ما النافية إلا حرف واحد في القرآن جمع اللغات الثلاث، وهي قوله تعالى: ما هن أمهاتهم قرأ الجمهور بالنصب، وقرأ بعضهم بالرفع، وقرأ ما هن بأمهاتهم - بأبناء. قال: وليس في القرآن لفظ على افعوعل إلا في قراءة ابن مسعود (ألا إنهم تثنوني صدورهم) هود: 5. وقال بعضهم: أطول سورة في القرآن البقرة، وأقصرها الكوثر، وأطول آية فيه آية الدين، وأقصر آية فيه: والضحى، والفجر. وأطول كلمة فيه رسما فأسقيناكموه. [ ص: 366 ] وفي القرآن آيتان جمعت كل منهما حروف العجم: ابن عباس: ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم .. محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم . وليس فيه حاء بعد حاء بلا حاجز إلا في موضعين: عقدة النكاح حتى ، لا أبرح حتى . ولا كافان كذلك إلا: ما سلككم ، مناسككم . ولا غينان كذلك إلا: ومن يبتغ غير الإسلام دينا . ولا آية فيها ثلاث وعشرون كافا إلا آية الدين. ولا آيتان فيهما ثلاثة عشر وقفا إلا آية المواريث. ولا ثلاث آيات فيها عشر واوات إلا: والعصر ... إلى آخرها. ولا سورة إحدى وخمسون آية فيها اثنان وخمسون وقفا إلا سورة الرحمن. ذكر أكثر ذلك ابن خالويه. وقال أبو عبد الله الخبازي المقرئ: أول ما وردت على السلطان محمود بن ملكشاه سألني عن آية أولها غين. فقلت: ثلاث: غافر الذنب . وآيتان بخلف: غير المغضوب عليهم و غلبت الروم . ونقلت من خط شيخ الإسلام ابن حجر في القرآن أربع شدات متواليات: في قوله: نسيا. رب السماوات في بحر لجي يغشاه موج . قولا من رب رحيم ولقد زينا السماء .