ويوم دخلت الخدر خدر عنيزة فقالت : لك الويلات إنك مرجلي تقول وقد مال الغبيط بنا معا :
عقرت بعيري يا امرأ القيس فانزل
قوله : " دخلت الخدر خدر عنيزة " ، ذكره تكريرا لإقامة الوزن ، لا فائدة فيه غيره ، ولا ملاحة له ولا رونق !
وقوله في المصراع الأخير من هذا البيت : " فقالت لك الويلات إنك مرجلي " كلام مؤنث من كلام النساء ، نقله من جهته إلى شعره ! وليس فيه غير هذا ! !
وتكريره بعد ذلك : " تقول وقد مال الغبيط " ، يعني قتب الهودج ، بعد قوله : " فقالت لك الويلات إنك مرجلي " : لا فائدة فيه غير تقدير الوزن ! وإلا فحكاية قولها الأول كاف ، وهو في النظم قبيح ؛ لأنه ذكر مرة : " فقالت " ، ومرة : " تقول " ، في معنى واحد ، وفصل خفيف !
وفي مصراع الثاني أيضا تأنيث من كلامهن .
وذكر أنه قال : " عقرت بعيري " ، ولم يقل ناقتي ، لأنهم يحملون النساء على ذكور الإبل ، لأنها أقوى . أبو عبيدة
وفي ذلك نظر ، لأن الأظهر أن البعير اسم للذكر والأنثى ، واحتاج إلى ذكر البعير لإقامة الوزن .
* * *
وقوله :
فقلت لها : سيري وأرخي زمامه ولا تبعديني من جناك المعلل
فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع فألهيتها عن ذي تمائم محول
[ ص: 167 ] البيت الأول قريب النسج ، ليس له معنى بديع ، ولا لفظ شريف ، كأنه من عبارات المنحطين في الصنعة .
وقوله : " فمثلك حبلى قد طرقت " ، عابه عليه أهل العربية ، ومعناه عندهم حتى يستقيم الكلام : فرب مثلك حبلى قد طرقت ، وتقديره أنه زير نساء ، وأنه يفسدهن ويلهيهن عن حبلهن ورضاعهن ، لأن الحبلى والمرضعة أبعد من الغزل وطلب الرجال !
والبيت الثاني في الاعتذار والاستهتار والتهيام ، وغير منتظم مع المعنى الذي قدمه في البيت الأول ؛ لأن تقديره : لا تبعديني عن نفسك فإني أغلب النساء ، وأخدعهن عن رأيهن ، وأفسدهن بالتغازل ! وكونه مفسدة لهن لا يوجب له وصلهن وترك إبعادهن إياه ، بل يوجب هجره والاستخفاف به ، لسخفه ودخوله كل مدخل فاحش ، وركوبه كل مركب فاسد !
وفيه من الفحش والتفحش ما يستنكف الكريم من مثله ، ويأنف من ذكره ! !
* *