ثم اقصد إلى سورة تامة ، فتصرف في معرفة قصصها ، وراع ما فيها من براهينها وقصصها .
تأمل السورة التي يذكر فيها " النمل " وانظر في كلمة كلمة ، وفصل فصل .
بدأ بذكر السورة ، إلى أن بين أن القرآن من عنده ، فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=6وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم . ثم وصل بذلك قصة
موسى - عليه السلام - ، وأنه رأى نارا ،
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=7قال موسى لأهله إني آنست نارا سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون .
وقال في سورة طه في هذه القصة :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=10لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى . وفي موضع :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=29لعلي آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون .
قد تصرف في وجوه ، وأتى بذكر القصة على ضروب ، ليعلمهم عجزهم عن جميع طرق ذلك . ولهذا قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=34فليأتوا بحديث مثله .
ليكون أبلغ في تعجيزهم ، وأظهر للحجة عليهم .
وكل كلمة من هذه الكلمات ، وإن أنبأت عن قصة ، فهي بليغة بنفسها ، تامة في معناها .
ثم قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=8فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين .
فانظر إلى ما أجرى له الكلام ، من علو أمر هذا النداء ، وعظم شأن
[ ص: 190 ] هذا الثناء ، وكيف انتظم مع الكلام الأول ، وكيف اتصل بتلك المقدمة ، وكيف وصل بها ما بعدها من الإخبار عن الربوبية ، وما دل به عليها من قلب العصا حية ، وجعلها دليلا يدله عليه ، ومعجزة تهديه إليه ؟
وانظر إلى الكلمات المفردة القائمة بأنفسها في الحسن ، وفيما تتضمنه من المعاني الشريفة ، ثم ما شفع به هذه الآية ، وقرن به هذه الدلالة : من اليد البيضاء - عن نور البرهان - من غير سوء .
ثم انظر في آية آية ، وكلمة كلمة : هل تجدها كما وصفنا : من عجيب النظم ، وبديع الرصف ؟ فكل كلمة لو أفردت كانت في الجمال غاية ، وفي الدلالة آية ، فكيف إذا قارنتها أخواتها ، وضامتها ذواتها : مما تجري في الحسن مجراها ، وتأخذ في معناها ؟
ثم من قصة إلى قصة ، ومن باب إلى باب ، من غير خلل يقع في نظم الفصل إلى الفصل ، وحتى يصور لك الفصل وصلا ، ببديع التأليف ، وبليغ التنزيل .
* *
ثُمَّ اقْصِدْ إِلَى سُورَةٍ تَامَّةٍ ، فَتَصَرَّفْ فِي مَعْرِفَةِ قَصَصِهَا ، وَرَاعِ مَا فِيهَا مِنْ بَرَاهِينِهَا وَقِصَصِهَا .
تَأَمَّلِ السُّورَةَ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا " النَّمْلُ " وَانْظُرْ فِي كَلِمَةٍ كَلِمَةٍ ، وَفَصْلٍ فَصْلٍ .
بَدَأَ بِذِكْرِ السُّورَةِ ، إِلَى أَنَّ بَيَّنَ أَنَّ الْقُرْآنَ مِنْ عِنْدِهِ ، فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=6وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ . ثُمَّ وَصَلَ بِذَلِكَ قِصَّةَ
مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ، وَأَنَّهُ رَأَى نَارًا ،
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=7قَالَ مُوسَى لأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ .
وَقَالَ فِي سُورَةِ طَهَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=10لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى . وَفِي مَوْضِعٍ :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=29لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ .
قَدْ تَصَرَّفَ فِي وُجُوهٍ ، وَأَتَى بِذِكْرِ الْقِصَّةِ عَلَى ضُرُوبٍ ، لِيُعْلِمَهُمْ عَجْزَهُمْ عَنْ جَمِيعِ طُرُقِ ذَلِكَ . وَلِهَذَا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=34فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ .
لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي تَعْجِيزِهِمْ ، وَأَظْهَرَ لِلْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ .
وَكُلُّ كَلِمَةٍ مِنْ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ ، وَإِنْ أَنْبَأَتْ عَنْ قِصَّةٍ ، فَهِيَ بَلِيغَةٌ بِنَفْسِهَا ، تَامَّةٌ فِي مَعْنَاهَا .
ثُمَّ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=8فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .
فَانْظُرْ إِلَى مَا أَجْرَى لَهُ الْكَلَامَ ، مِنْ عُلُوِّ أَمْرِ هَذَا النِّدَاءِ ، وَعِظَمِ شَأْنِ
[ ص: 190 ] هَذَا الثَّنَاءِ ، وَكَيْفَ انْتَظَمَ مَعَ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ ، وَكَيْفَ اتَّصَلَ بِتِلْكَ الْمُقَدِّمَةِ ، وَكَيْفَ وَصَلَ بِهَا مَا بَعْدَهَا مِنَ الْإِخْبَارِ عَنِ الرُّبُوبِيَّةِ ، وَمَا دَلَّ بِهِ عَلَيْهَا مِنْ قَلْبِ الْعَصَا حَيَّةً ، وَجَعْلِهَا دَلِيلًا يَدُلُّهُ عَلَيْهِ ، وَمُعْجِزَةً تَهْدِيهِ إِلَيْهِ ؟
وَانْظُرْ إِلَى الْكَلِمَاتِ الْمُفْرَدَةِ الْقَائِمَةِ بِأَنْفُسِهَا فِي الْحُسْنِ ، وَفِيمَا تَتَضَمَّنُهُ مِنَ الْمَعَانِي الشَّرِيفَةِ ، ثُمَّ مَا شَفَعَ بِهِ هَذِهِ الْآيَةَ ، وَقَرَنَ بِهِ هَذِهِ الدَّلَالَةَ : مِنَ الْيَدِ الْبَيْضَاءِ - عَنْ نُورِ الْبُرْهَانِ - مِنْ غَيْرِ سُوءٍ .
ثُمَّ انْظُرْ فِي آيَةٍ آيَةٍ ، وَكَلِمَةٍ كَلِمَةٍ : هَلْ تَجِدُهَا كَمَا وَصَفْنَا : مِنْ عَجِيبِ النَّظْمِ ، وَبَدِيعِ الرَّصْفِ ؟ فَكُلُّ كَلِمَةٍ لَوْ أُفْرِدَتْ كَانَتْ فِي الْجَمَالِ غَايَةً ، وَفِي الدَّلَالَةِ آيَةً ، فَكَيْفَ إِذَا قَارَنَتْهَا أَخَوَاتُهَا ، وَضَامَّتْهَا ذَوَاتُهَا : مِمَّا تَجْرِي فِي الْحُسْنِ مَجْرَاهَا ، وَتَأْخُذُ فِي مَعْنَاهَا ؟
ثُمَّ مِنْ قِصَّةٍ إِلَى قِصَّةٍ ، وَمِنْ بَابٍ إِلَى بَابٍ ، مِنْ غَيْرِ خَلَلٍ يَقَعُ فِي نَظْمِ الْفَصْلِ إِلَى الْفَصْلِ ، وَحَتَّى يُصَوِّرَ لَكَ الْفَصْلَ وَصْلًا ، بِبَدِيعِ التَّأْلِيفِ ، وَبَلِيغِ التَّنْزِيلِ .
* *