ونحن نذكر آيات أخر ، لتزداد استبصارا ، وتتيقن تيقنا :
تأمل
nindex.php?page=treesubj&link=28914من الكلام المؤتلف قوله : nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=1حم nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=2تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=3غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير .
أنت قد تدربت الآن بحفظ أسماء الله تعالى وصفاته ، فانظر متى وجدت في كلام البشر وخطبهم مثل هذا النظم في هذا القدر ، وما يجمع ما تجمع هذه الآية من شريف المعاني وحسن الفاتحة والخاتمة .
ثم اتل ما بعدها من الآي ، واعرف وجه الخلوص من شيء إلى شيء : من احتجاج إلى وعيد ، ومن إعذار إلى إنذار ، ومن فنون من الأمر شتى ، مختلفة تأتلف بشريف النظم ، ومتباعدة تتقارب بعلي الضم .
ثم جاء إلى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=5كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=6وكذلك حقت كلمت ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار .
الآية الأولى أربعة فصول ، والثانية فصلان .
وجه الوقوف على شرف الكلام : أن تتأمل موقع قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=5وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه وهل تقع في الحسن موقع قوله : " ليأخذوه " كلمة ؟ وهل تقوم مقامه في الجزالة لفظة ؟ وهل يسد مسده في الأصالة نكتة ؟ لو وضع موضع ذلك : " ليقتلوه " ، أو " ليرجموه " ، أو " لينفوه " ، أو " ليطردوه " ، أو " ليهلكوه " ، أو " ليذلوه " ، ونحو هذا ؛ ما كان ذلك بديعا ولا بارعا ، ولا عجيبا ولا بالغا .
[ ص: 198 ] فانقد موضع هذه الكلمة ، وتعلم بها ما تذهب إليه من تخير الكلام ، وانتقاء الألفاظ ، والاهتداء للمعاني .
فإن كنت تقدر أن شيئا من هذه الكلمات التي عددناها عليك أو غيرها ، يقوم مقام هذه اللفظة - لم تقف على غرضنا من هذا الكتاب ، فلا سبيل لك إلى الوقوف على تصاريف الخطاب ، فافزع إلى التقليد ، واكف نفسك مؤونة التفكير .
وإن فطنت ؛ فانظر إلى ما قال من رد عجز الخطاب إلى صدره ، بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=5فأخذتهم فكيف كان عقاب ثم ذكر عقيبها العذاب في الآخرة ، وأتلاها تلو العذاب في الدنيا ، على الإحكام الذي رأيت .
ثم ذكر المؤمنين بالقرآن ، بعد ذكر المكذبين بالآيات والرسل ، فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=7الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به إلى أن ذكر ثلاث آيات .
وهذا كلام مفصول ، تعلم عجيب اتصاله بما سبق ومضى ، وانتسابه إلى ما تقدم وانقضى ، وعظم موقعه في معناه ، ورفيع ما يتضمن من تحميدهم وتسبيحهم ، وحكاية كيفية دعاء الملائكة بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=7ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما .
هل تعرف شرف هذه الكلمة لفظا ومعنى ، ولطيف هذه الحكاية ، وتلاؤم هذا الكلام ، وتشاكل هذا النظام ؟ فكيف يهتدي إلى وضع هذه المعاني بشري ، وإلى تركيب ما يلائمها من الألفاظ إنسي ؟
ثم ذكر ثلاث آيات في أمر الكافرين على ما ترى .
ثم نبه على أمر القرآن ، وأنه من آياته ، بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=13هو الذي يريكم [ ص: 199 ] آياته وينزل لكم من السماء رزقا وما يتذكر إلا من ينيب .
وإنما ذكر هذين الأمرين اللذين يختص بالقدرة عليهما ، لتناسبهما في أنهما من تنزيله من السماء ، ولأن الرزاق الذي لو لم يرزق لم يمكن بقاء النفس ، تجب طاعته والنظر في آياته .
ثم قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=14فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=15رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=16يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار .
قف على هذه الدلالة ، وفكر فيها ، وراجع نفسك في مراعاة معاني هذه الصفات العالية ، والكلمات السامية ، والحكم البالغة ، والمعاني الشريفة - تعلم ورودها عن الإلهية ، ودلالتها على الربوبية ، وتتحقق أن الخطب المنقولة عنهم ، والأخبار المأثورة في كلماتهم الفصيحة ، من الكلام الذي تعلق به الهمم البشرية ، وما تحوم عليه الأفكار الآدمية ، وتعرف مباينتها لهذا الضرب من القول .
أي خاطر يتشوف إلى أن يقول :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=15يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=16يوم هم بارزون ؟
وأي لفظ يدرك هذا المضمار ؟ وأي حكيم يهتدي إلى ما لهذا من الغور ؟ وأي فصيح يهتدي إلى هذا النظم ؟
ثم استقرئ الآية إلى آخرها ، واعتبر كلماتها ، وراع بعدها قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=17اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب .
من يقدر على تأليف هذه الكلمات الثلاث ، على قربها ، وعلى خفتها في النظم وموقعها من القلب ؟
[ ص: 200 ] ثم تأمل قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=18وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=19يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=20والله يقضي بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء إن الله هو السميع البصير .
كل كلمة من ذلك على ما قد وصفتها : من أنه إذا رآها الإنسان في رسالة كانت عينها ، أو في خطبة كانت وجهها أو قصيدة كانت غرة غرتها ، وبيت قصيدتها ، كالياقوتة التي تكون فريدة العقد ، وعين القلادة ، ودرة الشذر ، إذا وقع بين كلام وشحه ، وإذا ضمن في نظام زينه ، وإذا اعترض في خطاب تميز عنه ، وبان بحسنه منه .
ولست أقول هذا لك في آية ، دون آية ، وسورة دون سورة ، وفصل دون فصل ، وقصة دون قصة ، ومعنى دون معنى ؛ لأني قد شرحت لك أن الكلام في حكاية القصص والأخبار ، وفي الشرائع والأحكام ، وفي الديانة والتوحيد ، وفي الحجج والتثبيت ، هو خلاف الكلام فيما عدا هذه الأمور .
ألا ترى أن الشاعر المفلق إذا جاء إلى الزهد قصر ، والأديب إذا تكلم في بيان الأحكام وذكر الحلال والحرام ، لم يكن كلامه على حسب كلامه في غيره .
nindex.php?page=treesubj&link=32234_18626ونظم القرآن لا يتفاوت في شيء ، ولا يتباين في أمر ، ولا يختل في حال ؛ بل له المثل الأعلى ، والفضل الأسنى .
وفيما شرحناه لك كفاية ، وفيما بيناه بلاغ .
* *
وَنَحْنُ نَذْكُرُ آيَاتٍ أُخَرَ ، لِتَزْدَادَ اسْتِبْصَارًا ، وَتَتَيَقَّنَ تَيَقُّنًا :
تَأَمَّلْ
nindex.php?page=treesubj&link=28914مِنَ الْكَلَامِ الْمُؤْتَلِفِ قَوْلَهُ : nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=1حم nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=2تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=3غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ .
أَنْتَ قَدْ تَدَرَّبْتَ الْآنَ بِحِفْظِ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ ، فَانْظُرْ مَتَى وَجَدْتَ فِي كَلَامِ الْبَشَرِ وَخُطَبِهِمْ مِثْلَ هَذَا النَّظْمِ فِي هَذَا الْقَدْرِ ، وَمَا يَجْمَعُ مَا تَجْمَعُ هَذِهِ الْآيَةُ مِنْ شَرِيفِ الْمَعَانِي وَحُسْنِ الْفَاتِحَةِ وَالْخَاتِمَةِ .
ثُمَّ اتْلُ مَا بَعْدَهَا مِنَ الْآيِ ، وَاعْرِفْ وَجْهَ الْخُلُوصِ مِنْ شَيْءٍ إِلَى شَيْءٍ : مِنِ احْتِجَاجٍ إِلَى وَعِيدٍ ، وَمِنْ إِعْذَارٍ إِلَى إِنْذَارٍ ، وَمِنْ فُنُونٍ مِنَ الْأَمْرِ شَتَّى ، مُخْتَلِفَةٍ تَأْتَلِفُ بِشَرِيفِ النَّظْمِ ، وَمُتَبَاعِدَةٍ تَتَقَارَبُ بِعَلِيِّ الضَّمِّ .
ثُمَّ جَاءَ إِلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=5كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=6وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ .
الْآيَةُ الْأُولَى أَرْبَعَةُ فُصُولٍ ، وَالثَّانِيَةُ فَصْلَانِ .
وَجْهُ الْوُقُوفِ عَلَى شَرَفِ الْكَلَامِ : أَنْ تَتَأَمَّلَ مَوْقِعَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=5وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَهَلْ تَقَعُ فِي الْحُسْنِ مَوْقِعَ قَوْلِهِ : " لِيَأْخُذُوهُ " كَلِمَةٌ ؟ وَهَلْ تَقُومُ مَقَامَهُ فِي الْجَزَالَةِ لَفْظَةٌ ؟ وَهَلْ يَسُدُّ مَسَدَّهُ فِي الْأَصَالَةِ نُكْتَةٌ ؟ لَوْ وَضَعَ مَوْضِعَ ذَلِكَ : " لِيَقْتُلُوهُ " ، أَوْ " لِيَرْجُمُوهُ " ، أَوْ " لِيَنْفُوهُ " ، أَوْ " لِيَطْرُدُوهُ " ، أَوْ " لِيُهْلِكُوهُ " ، أَوْ " لِيُذِلُّوهُ " ، وَنَحْوَ هَذَا ؛ مَا كَانَ ذَلِكَ بَدِيعًا وَلَا بَارِعًا ، وَلَا عَجِيبًا وَلَا بَالِغًا .
[ ص: 198 ] فَانْقُدْ مَوْضِعَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ ، وَتَعَلَّمْ بِهَا مَا تَذْهَبُ إِلَيْهِ مِنْ تَخَيُّرِ الْكَلَامِ ، وَانْتِقَاءِ الْأَلْفَاظِ ، وَالِاهْتِدَاءِ لِلْمَعَانِي .
فَإِنْ كُنْتَ تُقَدِّرُ أَنَّ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ الَّتِي عَدَدْنَاهَا عَلَيْكَ أَوْ غَيْرِهَا ، يَقُومُ مَقَامَ هَذِهِ اللَّفْظَةِ - لَمْ تَقِفْ عَلَى غَرَضِنَا مِنْ هَذَا الْكِتَابِ ، فَلَا سَبِيلَ لَكَ إِلَى الْوُقُوفِ عَلَى تَصَارِيفِ الْخِطَابِ ، فَافْزَعْ إِلَى التَّقْلِيدِ ، وَاكْفِ نَفْسَكَ مَؤُونَةَ التَّفْكِيرِ .
وَإِنْ فَطِنْتَ ؛ فَانْظُرْ إِلَى مَا قَالَ مِنْ رَدِّ عَجُزِ الْخِطَابِ إِلَى صَدْرِهِ ، بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=5فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ ثُمَّ ذَكَرَ عَقِيبَهَا الْعَذَابَ فِي الْآخِرَةِ ، وَأَتْلَاهَا تِلْوَ الْعَذَابِ فِي الدُّنْيَا ، عَلَى الْإِحْكَامِ الَّذِي رَأَيْتَ .
ثُمَّ ذَكَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِالْقُرْآنِ ، بَعْدَ ذِكْرِ الْمُكَذِّبِينَ بِالْآيَاتِ وَالرُّسُلِ ، فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=7الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ إِلَى أَنْ ذَكَرَ ثَلَاثَ آيَاتٍ .
وَهَذَا كَلَامٌ مَفْصُولٌ ، تَعْلَمُ عَجِيبَ اتِّصَالِهِ بِمَا سَبَقَ وَمَضَى ، وَانْتِسَابَهُ إِلَى مَا تَقَدَّمَ وَانْقَضَى ، وَعِظَمَ مَوْقِعِهِ فِي مَعْنَاهُ ، وَرَفِيعَ مَا يَتَضَمَّنُ مِنْ تَحْمِيدِهِمْ وَتَسْبِيحِهِمْ ، وَحِكَايَةِ كَيْفِيَّةِ دُعَاءِ الْمَلَائِكَةِ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=7رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا .
هَلْ تَعْرِفُ شَرَفَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ لَفْظًا وَمَعْنًى ، وَلَطِيفَ هَذِهِ الْحِكَايَةِ ، وَتَلَاؤُمَ هَذَا الْكَلَامِ ، وَتَشَاكُلَ هَذَا النِّظَامِ ؟ فَكَيْفَ يَهْتَدِي إِلَى وَضْعِ هَذِهِ الْمَعَانِي بَشَرِيٌّ ، وَإِلَى تَرْكِيبِ مَا يُلَائِمُهَا مِنَ الْأَلْفَاظِ إِنْسِيٌّ ؟
ثُمَّ ذَكَرَ ثَلَاثَ آيَاتٍ فِي أَمْرِ الْكَافِرِينَ عَلَى مَا تَرَى .
ثُمَّ نَبَّهَ عَلَى أَمْرِ الْقُرْآنِ ، وَأَنَّهُ مِنْ آيَاتِهِ ، بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=13هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ [ ص: 199 ] آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلا مِنَ يُنِيبُ .
وَإِنَّمَا ذَكَرَ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ اللَّذَيْنِ يَخْتَصُّ بِالْقُدْرَةِ عَلَيْهِمَا ، لِتَنَاسُبِهِمَا فِي أَنَّهُمَا مِنْ تَنْزِيلِهِ مِنَ السَّمَاءِ ، وَلِأَنَّ الرَّزَّاقَ الَّذِي لَوْ لَمْ يَرْزُقْ لَمْ يُمْكِنْ بَقَاءُ النَّفْسِ ، تَجِبُ طَاعَتُهُ وَالنَّظَرُ فِي آيَاتِهِ .
ثُمَّ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=14فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=15رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مِنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=16يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ .
قِفْ عَلَى هَذِهِ الدَّلَالَةِ ، وَفَكِّرْ فِيهَا ، وَرَاجِعْ نَفْسَكَ فِي مُرَاعَاةِ مَعَانِي هَذِهِ الصِّفَاتِ الْعَالِيَةِ ، وَالْكَلِمَاتِ السَّامِيَةِ ، وَالْحِكَمِ الْبَالِغَةِ ، وَالْمَعَانِي الشَّرِيفَةِ - تَعْلَمْ وُرُودَهَا عَنِ الْإِلَهِيَّةِ ، وَدَلَالَتَهَا عَلَى الرُّبُوبِيَّةِ ، وَتَتَحَقَّقْ أَنَّ الْخُطَبَ الْمَنْقُولَةَ عَنْهُمْ ، وَالْأَخْبَارَ الْمَأْثُورَةَ فِي كَلِمَاتِهِمُ الْفَصِيحَةِ ، مِنَ الْكَلَامِ الَّذِي تَعْلَقُ بِهِ الْهِمَمُ الْبَشَرِيَّةُ ، وَمَا تَحُومُ عَلَيْهِ الْأَفْكَارُ الْآدَمِيَّةُ ، وَتَعْرِفْ مُبَايَنَتَهَا لِهَذَا الضَّرْبِ مِنَ الْقَوْلِ .
أَيُّ خَاطِرٍ يَتَشَوَّفُ إِلَى أَنْ يَقُولَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=15يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مِنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=16يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ ؟
وَأَيُّ لَفْظٍ يُدْرِكُ هَذَا الْمِضْمَارَ ؟ وَأَيُّ حَكِيمٍ يَهْتَدِي إِلَى مَا لِهَذَا مِنَ الْغَوْرِ ؟ وَأَيُّ فَصِيحٍ يَهْتَدِي إِلَى هَذَا النَّظْمِ ؟
ثُمَّ اسْتَقْرِئِ الْآيَةَ إِلَى آخِرِهَا ، وَاعْتَبِرْ كَلِمَاتِهَا ، وَرَاعِ بَعْدَهَا قَوْلَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=17الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ .
مَنْ يَقْدِرُ عَلَى تَأْلِيفِ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ الثَّلَاثِ ، عَلَى قُرْبِهَا ، وَعَلَى خِفَّتِهَا فِي النَّظْمِ وَمَوْقِعِهَا مِنَ الْقَلْبِ ؟
[ ص: 200 ] ثُمَّ تَأَمَّلْ قَوْلَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=18وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=19يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=20وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ .
كُلُّ كَلِمَةٍ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَا قَدْ وَصَفْتُهَا : مِنْ أَنَّهُ إِذَا رَآهَا الْإِنْسَانُ فِي رِسَالَةٍ كَانَتْ عَيْنَهَا ، أَوْ فِي خُطْبَةٍ كَانَتْ وَجْهَهَا أَوْ قَصِيدَةٍ كَانَتْ غُرَّةَ غُرَّتِهَا ، وَبَيْتَ قَصِيدَتِهَا ، كَالْيَاقُوتَةِ الَّتِي تَكُونُ فَرِيدَةَ الْعِقْدِ ، وَعَيْنَ الْقِلَادَةِ ، وَدُرَّةَ الشَّذْرِ ، إِذَا وَقَعَ بَيْنَ كَلَامٍ وَشَّحَهُ ، وَإِذَا ضُمِّنَ فِي نِظَامٍ زَيَّنَهُ ، وَإِذَا اعْتَرَضَ فِي خِطَابٍ تَمَيَّزَ عَنْهُ ، وَبَانَ بِحُسْنِهِ مِنْهُ .
وَلَسْتُ أَقُولُ هَذَا لَكَ فِي آيَةٍ ، دُونَ آيَةٍ ، وَسُورَةٍ دُونَ سُورَةٍ ، وَفَصْلٍ دُونَ فَصْلٍ ، وَقِصَّةٍ دُونَ قِصَّةٍ ، وَمَعْنًى دُونَ مَعْنًى ؛ لِأَنِّي قَدْ شَرَحْتُ لَكَ أَنَّ الْكَلَامَ فِي حِكَايَةِ الْقِصَصِ وَالْأَخْبَارِ ، وَفِي الشَّرَائِعِ وَالْأَحْكَامِ ، وَفِي الدِّيَانَةِ وَالتَّوْحِيدِ ، وَفِي الْحُجَجِ وَالتَّثْبِيتِ ، هُوَ خِلَافُ الْكَلَامِ فِيمَا عَدَا هَذِهِ الْأُمُورِ .
أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّاعِرَ الْمُفْلِقَ إِذَا جَاءَ إِلَى الزُّهْدِ قَصَّرَ ، وَالْأَدِيبَ إِذَا تَكَلَّمَ فِي بَيَانِ الْأَحْكَامِ وَذِكْرِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ ، لَمْ يَكُنْ كَلَامُهُ عَلَى حَسَبِ كَلَامِهِ فِي غَيْرِهِ .
nindex.php?page=treesubj&link=32234_18626وَنَظْمُ الْقُرْآنِ لَا يَتَفَاوَتُ فِي شَيْءٍ ، وَلَا يَتَبَايَنُ فِي أَمْرٍ ، وَلَا يَخْتَلُّ فِي حَالٍ ؛ بَلْ لَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى ، وَالْفَضْلُ الْأَسْنَى .
وَفِيمَا شَرَحْنَاهُ لَكَ كِفَايَةٌ ، وَفِيمَا بَيَّنَّاهُ بَلَاغٌ .
* *