[ ص: 321 ]  -  24 - شروط المفسر وآدابه : 
البحث العلمي النزيه أساس المعرفة الحقة التي تعود على طلابها بالنفع ، وثمرته من أشهى الأكل لغذاء الفكر وتنمية العقل ، ولذلك فإن تهيؤ أسبابه لأي باحث أمر له اعتباره في نضج ثماره ودنو قطوفه ، والبحث في العلوم الشرعية عامة وفي التفسير خاصة من أهم ما يجب الاعتناء به والتعرف على شروطه وآدابه ، حتى يصفو مشربه ، ويحفظ روعة الوحي وجلاله . 
شروط المفسر  
وقد ذكر العلماء للمفسر شروطا نجملها فيما يأتي : 
1- صحة الاعتقاد : فإن العقيدة لها أثرها في نفس صاحبها ، وكثيرا ما تحمل ذويها على تحريف النصوص والخيانة في نقل الأخبار ، فإذا صنف أحدهم كتابا في التفسير أول الآيات التي تخالف عقيدته ، وحملها باطل مذهبه ، ليصد الناس عن اتباع السلف ، ولزوم طريق الهدى . 
2- التجرد عن الهوى : فالأهواء تدفع أصحابها إلى نصرة مذهبهم ، فيغرون الناس بلين الكلام ولحن البيان ، كدأب طوائف القدرية  والرافضة  والمعتزلة  ونحوهم من غلاة المذاهب . 
3- أن يبدأ أولا بتفسير القرآن بالقرآن ، فما أجمل منه في موضع فإنه قد فصل في موضع آخر ، وما اختصر منه في مكان فإنه قد بسط في مكان آخر . 
4- أن يطلب التفسير من السنة فإنها شارحة للقرآن موضحة له ، وقد ذكر القرآن أن أحكام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إنما تصدر منه عن طريق الله : إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله   . وذكر الله أن السنة مبينة للكتاب : بالبينات والزبر وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون  ،  [ ص: 322 ] ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  " ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه " يعني السنة . وقال  الشافعي  رضي الله عنه : " كل ما حكم به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهو مما فهمه من القرآن " وأمثلة هذا في القرآن كثيرة - جمعها صاحب " الإتقان " مرتبة مع السور في آخر فصل من كتابه كتفسير " السبيل " بالزاد والراحة ، وتفسير " الظلم " بالشرك ، وتفسير " الحساب اليسير " بالعرض . 
5- فإذا لم يجد التفسير من السنة رجع إلى أقوال الصحابة فإنهم أدرى بذلك لما شاهدوه من القرائن والأحوال عند نزوله ، ولما لهم من الفهم التام ، والعلم الصحيح ، والعمل الصالح . 
6- فإذا لم يجد التفسير في القرآن ولا في السنة ولا في أقوال الصحابة فقد رجع كثير من الأئمة في ذلك إلى أقوال التابعين ،  كمجاهد بن جبر  ،  وسعيد بن جبير  ،  وعكرمة مولى ابن عباس  ،  وعطاء بن أبي رباح  ،  والحسن البصري  ،  ومسروق بن الأجدع  ،  وسعيد بن المسيب  ،  والربيع بن أنس  ،  وقتادة   والضحاك بن مزاحم  ، وغيرهم من التابعين ، ومن التابعين من تلقى جميع التفسير عن الصحابة ، وربما تكلموا في بعض ذلك بالاستنباط والاستدلال ، والمعتمد في ذلك كله النقل الصحيح ، ولهذا قال أحمد : " ثلاث كتب لا أصل لها : المغازي ، والملاحم ، والتفسير " يعني بهذا : التفسير الذي لا يعتمد على الروايات الصحيحة في النقل . 
7- العلم باللغة العربية وفروعها : فإن القرآن نزل بلسان عربي ، ويتوقف فهمه على شرح مفردات الألفاظ ومدلولاتها بحسب الوضع ، قال  مجاهد   : " لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتكلم في كتاب الله إذا لم يكن عالما بلغات العرب " . 
والمعاني تختلف باختلاف الإعراب ، ومن هنا مست الحاجة إلى اعتبار علم النحو والتصريف الذي تعرف به الأبنية ، والكلمة المبهمة يتضح معناها بمصادرها ومشتقاتها وخواص تركيب الكلام من جهة إفادتها المعنى ، ومن حيث اختلافها بحسب وضوح الدلالة وخفائها . ثم من ناحية وجوه تحسين الكلام -وهي علوم البلاغة الثلاثة : المعاني والبيان والبديع- من أعظم أركان المفسر . إذ لا بد له من مراعاة ما يقتضيه الإعجاز ، وإنما يدرك الإعجاز بهذه العلوم . 
 [ ص: 323 ]  8- العلم بأصول العلوم المتصلة بالقرآن ، كعلم القراءات ; لأن به يعرف كيفية النطق بالقرآن ويترجح بعض وجوه الاحتمال على بعض ، وعلم التوحيد حتى لا يؤول آيات الكتاب التي في حق الله وصفاته تأويلا يتجاوز به الحق ، وعلم الأصول ، وأصول التفسير خاصة مع التعمق في أبوابه التي لا يتضح المعنى ولا يستقيم المراد بدونها ، كمعرفة أسباب النزول ، والناسخ والمنسوخ ، ونحو ذلك . 
9- دقة الفهم التي تمكن المفسر من ترجيح معنى على آخر ، أو استنباط معنى يتفق مع نصوص الشريعة . "
				
						
						
