. فيفيد [ ص: 200 ] بهذا الاختصار ، كقوله تعالى : يجيء لفظ " فعل " كناية عن أفعال متعددة لا للدلالة على فعل واحد لبئس ما كانوا يفعلون ، فإنها تشمل كل منكر لا يتناهون عنه ، وقوله : فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا ، أي فإن لم تأتوا بسورة من مثله ولن تأتوا بسورة من مثله .
وحيث أطلقت في كلام الله فهي محمولة على الوعيد الشديد كقوله تعالى : ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ، وقوله : وتبين لكم كيف فعلنا بهم . .
لفظ " كان "
وردت " كان " في الإخبار عن ذات الله وصفاته بالقرآن كثيرا وقد اختلف النحاة وغيرهم في أنها تدل على الانقطاع ، على مذاهب :
أحدها : أنها تفيد الانقطاع لأنها فعل يشعر بالتجديد .
والثاني : لا تفيده ، بل تقتضي الدوام والاستمرار ، وبه جزم ابن معطي في ألفيته ، حيث قال :
وكان للماضي الذي ما انقطعا
وقال في قوله تعالى : الراغب وكان الشيطان لربه كفورا ، نبه بقوله : " كان " على أنه لم يزل منذ أوجد منطويا على الكفر .والثالث : أنه عبارة عن وجود شيء في زمان ماض على سبيل الإبهام . وليس فيه دليل على عدم سابق ، ولا على انقطاع طارئ ، ومنه قوله تعالى : " وكان الله [ ص: 201 ] غفورا رحيما " ، قاله في قوله تعالى : الزمخشري كنتم خير أمة أخرجت للناس ، عند تفسيره للآية في " الكشاف " .
وذكر ابن عطية في سورة الفتح أنها حيث وقعت في صفات الله فهي مسلوبة الدلالة على الزمان .
والصواب من هذه المقالات مقالة ، وإنها تفيد اقتران معنى الجملة التي تليها بالزمن الماضي لا غير ، ولا دلالة لها نفسها على انقطاع ذلك المعنى ولا بقائه ، بل إن أفاد الكلام شيئا من ذلك كان لدليل آخر . الزمخشري
وعلى هذا يحمل معناها فيما وقع في القرآن من إخبار الله تعالى عن صفاته وغيرها بلفظ " كان " كثيرا . مثل قوله تعالى : وكان الله سميعا عليما ، وكان الله واسعا حكيما ، " وكان الله غفورا رحيما " ، وكنا بكل شيء عالمين ، وكنا لحكمهم شاهدين .
وحيث أخبر الله بها عن صفات الآدميين فالمراد التنبيه على أنها فيهم غريزة وطبيعة مركوزة في النفس كقوله تعالى : وكان الإنسان عجولا ، وقوله : إنه كان ظلوما جهولا .
وقد تتبع استعمال " كان " في القرآن ، واستنبط وجوه استعمالها فقال : " كان " في القرآن على خمسة أوجه : أبو بكر الرازي
بمعنى الأزل والأبد ، كقوله تعالى : " وكان الله عليما حكيما " .
وبمعنى المعنى المنقطع ، كقوله تعالى : وكان في المدينة تسعة رهط ، وهو الأصل في معاني " كان " كما تقول : كان زيد صالحا أو فقيرا أو مريضا أو نحوه .
[ ص: 202 ] وبمعنى الحال ، كقوله تعالى : كنتم خير أمة ، وقوله : إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ، وبمعنى الاستقبال ، كقوله تعالى : ويخافون يوما كان شره مستطيرا .
وبمعنى " صار " كقوله : وكان من الكافرين .
وتأتي " كان " في النفي ويكون المراد بها نفي صحة الخبر لا نفي وقوعه ولذا تؤول بمعنى " ما صح وما استقام " كقوله تعالى : ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض ، وقوله : ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله ، وقوله : ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا .
لفظ " كاد "
وللعلماء في " كاد " مذاهب :
أحدها : أنها كسائر الأفعال نفيا وإثباتا ، فإثباتها إثبات ونفيها نفي ، لأن معناها المقاربة ، فمعنى كاد يفعل : قارب الفعل ، ومعنى ما كاد يفعل : لم يقاربه ، فخبرها منفي دائما ، ولكن النفي في الإثبات مستفاد من معناها ، لأن الإخبار بقرب الشيء يقتضي عرفا عدم حصوله ، وإلا لم يتجه الإخبار بقربه ، أما إذا كانت منفية فلأنه إذا انتفت مقاربة الفعل اقتضى عقلا عدم حصوله ، ويدل له قوله تعالى : إذا أخرج يده لم يكد يراها ، ولهذا كان أبلغ من قوله : " لم يرها " لأن من لم ير قد يقارب الرؤية .
والثاني : أنها تختلف عن سائر الأفعال إثباتا ونفيا ، فإثباتها نفي ، ونفيها إثبات ، ولذا قالوا : إنها إذا أثبتت نفت ، وإذا نفت أثبتت ، فإذا قيل : كاد يفعل ، [ ص: 203 ] فمعناه أنه لم يفعله بدليل قوله تعالى : وإن كادوا ليفتنونك ، لأنهم لم يفتنوه ، وإذا قيل : لم يكد يفعل ، فمعناه أنه فعله بدليل قوله تعالى : فذبحوها وما كادوا يفعلون ، لأنهم فعلوا الذبح .
والثالث : أنها في النفي تدل على وقوع الفعل بعسر وشدة كقوله : فذبحوها وما كادوا يفعلون .
والرابع : التفصيل في النفي بين المضارع والماضي ، فنفي المضارع نفي ، ونفي الماضي إثبات ، يدل على الأول قوله : " لم يكد يراها " مع أنه لم ير شيئا ، ويدل على الثاني قوله : " فذبحوها وما كادوا يفعلون " مع أنهم فعلوا .
والخامس : أنها في النفي تكون للإثبات إذا كان ما بعدها متصلا بما قبلها ومتعلقا به ، كقولك : ما كدت أصل إلى مكة حتى طفت بالبيت الحرام ، ومنه قوله تعالى : فذبحوها وما كادوا يفعلون .
لفظ " جعل "
: تأتي " جعل " في القرآن لعدة معان
أحدها : بمعنى " سمى " كقوله تعالى : الذين جعلوا القرآن عضين ، أي سموه كذبا ، وقوله : وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا ، على قول ، ويشهد له قوله تعالى : إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى .
الثاني : بمعنى " أوجد " وتتعدى إلى مفعول واحد ، والفرق بينها وبين الخلق ، أن الخلق فيه معنى التقدير ، ويكون عن عدم سابق حيث لا يتقدم مادة ولا سبب محسوس ، بخلاف الجعل بمعنى الإيجاد ، قال تعالى : الحمد لله الذي خلق [ ص: 204 ] السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور . وإنما الظلمات والنور تنشأ عن أجرام توجد بوجودها ، وتعدم بعدمها .
الثالث : بمعنى النقل من حال إلى حال والتصيير ، فتتعدى إلى مفعولين : إما حسا كقوله تعالى : الذي جعل لكم الأرض فراشا ، وإما عقلا كقوله : أجعل الآلهة إلها واحدا .
الرابع : بمعنى الاعتقاد ، كقوله تعالى : وجعلوا لله شركاء الجن .
الخامس : بمعنى الحكم بالشيء على الشيء ، حقا كان أو باطلا ، فالحق ، كقوله تعالى : إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين ، والباطل ، كقوله : وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا .
"