ويجب غسل موقى العين قطعا ، فإن كان عليه نحو رماص يمنع وصول الماء إلى المحل الواجب وجب إزالته وغسل ما تحته ، وقوله غالبا إيضاح لبيان إخراج الصلع وإدخال الغمم ، إذ التعبير بالمنابت كاف في ذلك فيهما لأن موضع الصلع منبت شعر الرأس وإن انحسر الشعر عنه لسبب ، والجبهة ليست منبته وإن نبت عليها الشعر ، ولهذا قال الإمام : إنه لا حاجة إليه .
أما موضع الغمم فداخل كما ذكره بقوله ( فمنه ) أي من الوجه ( موضع الغمم ) وهو الشعر النابت على الجبهة أو بعضها لحصول المواجهة به ، والغمم مأخوذ من غم الشيء إذا ستره ، ومنه غم الهلال ، ويقال رجل أغم وامرأة غماء ، والعرب تذم به وتمدح بالنزع ، إذ الغمم يدل على البلادة والجبن والبخل ، والنزع بضد ذلك .
قال القائل :
فلا تنكحي إن فرق الله بيننا أغم القفا والوجه ليس بأنزعا
ومنتهى اللحيين من الوجه كما تقرر وإن لم تشمله عبارة المصنف ( وكذا التحذيف في الأصح ) أي موضعه وهو بالذال المعجمة : ما ينبت عليه الشعر الخفيف بين ابتداء العذار والنزعة لمحاذاته بياض الوجه ، سمي بذلك لأن النساء والأشراف يحذفون الشعر عنه ليتسع الوجه .والثاني أنه من الرأس وسيأتي ترجيحه ، وضابطه كما قاله الإمام وجزم به المصنف في دقائقه : أن تضع طرف خيط على رأس الأذن والطرف الثاني على أعلى الجبهة ويفرض هذا الخيط مستقيما ، فما نزل عنه إلى جانب الوجه فهو موضع التحذيف ( لا النزعتان ) بفتح الزاي ويجوز إسكانها [ ص: 169 ] ( وهما بياضان يكتنفان الناصية ) فليستا من الوجه لأنهما في حد تدوير الرأس ، والناصية مقدم الرأس من أعلى الجبين ( قلت : صحح الجمهور أن موضع التحذيف من الرأس ، والله أعلم ) لاتصال الشعر به فلا يصير وجها بفعل بعض الناس ، ومن الرأس أيضا الصدغان لدخولهما في تدويره ، وهما فوق الأذنين متصلان بالعذارين .
ويسن خروجا من خلاف من أوجب غسلها ، ولا بد من غسل جزء من الرأس ومن تحت الحنك ومن الأذنين وجزء فوق اليدين والرجلين ، إذ ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، ومن الوجه ما بين العذار والأذن من البياض لكونه داخلا في حده ، وما ظهر من حمرة الشفتين ومن الأنف بالجدع ، حتى لو اتخذ له أنفا من ذهب وجب غسله كما أفتى به غسل موضع الصلع والتحذيف والنزعتين والصدغين مع الوجه الوالد رحمه الله تعالى ، لأنه وجب عليه غسل ما ظهر من أنفه بالقطع وقد تعذر للعذر فصار الأنف المذكور في حقه كالأصلي ( ويجب ) وهو بضم الهاء مع سكون الدال المهملة وضمها وبفتحهما معا الشعر النابت على العين ( وحاجب ) جمعه حواجب وحاجب الأمير جمعه حجاب ، سمي بذلك لأنه يحجب عن العين شعاع الشمس ( وعذار ) وهو بذال معجمة الشعر النابت المحاذي للأذن بين الصدغ والعارض أول ما ينبت للأمرد غالبا ( وشارب ) وهو الشعر النابت على الشفة العليا ( وخد ) أي الشعر النابت عليه ، وهو من زيادته على المحرر ( وعنفقة ) وهو الشعر النابت على الشفة السفلى ( شعرا وبشرا ) أي ظاهرا وباطنا وإن كان كثيفا لندرة كثافته فألحق بالغالب ، وقوله شعرا وبشرا [ ص: 170 ] أورد عليه أنه كان ينبغي أن يسقط شعرا ويقول وبشرتها : أي بشرة جميع ذلك ، فقوله شعرا تكرار فإنما تقدم اسم لها لا لمنابتها ، وقوله بشرا غير صالح لتفسير ما تقدم . غسل كل هدب
وأجيب بأنه ذكر الخد أيضا فنص على شعره كما نص على بشرة ما ذكره من الشعر ( وقيل لا يجب ) غسل ( باطن عنفقة كثيفة ) بالمثلثة ولا بشرتها كاللحية ، وفي ثالث يجب إن لم تتصل باللحية ( واللحية ) من الرجل ( إن خفت كهدب ) فيجب غسل ظاهرها وباطنها ( وإلا ) بأن كثفت ( فليغسل ظاهرها ) ولا يجب غسل باطنها وهو منابتها { لأنه صلى الله عليه وسلم غرف غرفة واحدة لوجهه } وكانت لحيته كثيفة والغرفة الواحدة لا تصل إلى باطن ذلك غالبا ، ولما في غسل باطنها من المشقة ، والأصح أن الشعر أصل لا بدل .
وحاصل ذلك أن شعور الوجه إن لم تخرج عن حده ، فإما أن تكون نادرة الكثافة كالهدب والشارب [ ص: 171 ] والعنفقة ولحية المرأة والخنثى فيجب غسلها ظاهرا وباطنا خفت أو كثفت ، أو غير نادرة الكثافة وهي لحية الرجل وعارضاه ، فإن خفت بأن ترى البشرة من تحتها في مجلس التخاطب وجب غسل ظاهرها وباطنها ، فإن كثفت وجب غسل ظاهرها فقط ، فإن خف بعضها وكثف بعضها فلكل حكمه إن تميز ، فإن لم يتميز وجب غسل الجميع ، فإن خرجت عن حد الوجه وكانت كثيفة وجب غسل ظاهرها فقط وإن كانت نادرة الكثافة ، وإن خفت وجب غسل ظاهرها وباطنها .
ووقع لبعضهم في هذا المقام ما يخالف ما تقرر فاحذره .
قال ابن العماد : المراد بعدم التمييز عدم إمكان إفراده بالغسل وإلا فهو متميز في نفسه .
ويجب غسل سلعة نبتت في الوجه وإن خرجت عن حده لحصول المواجهة بها ( وفي قول لا يجب غسل خارج عن ) حد ( الوجه ) لخروجه عن محل الفرض كالذؤابة من الرأس ، والأصح الوجوب لحصول المواجهة به