والنبي إنسان ذكر حر سليم الخلقة مما ينفر عادة كالعمى والبرص ، أوحي إليه بشرع وإن لم يؤمر بتبليغه ، فإن أمر بذلك فرسول أيضا ، أو وأمر بتبليغه وإن لم يكن له كتاب أو نسخ لبعض شرع من قبله كيوشع ، فإن كان له ذلك فرسول أيضا قولان ، عليهما ، وفي ثالث أنهما بمعنى وهو معنى الرسول على الأول المشهور . والرسول باعتبار الملائكة أعم من النبي إذ يكون من الملائكة والبشر ، وفي التنزيل { فالنبي أعم من الرسول الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس } ويؤخذ من كلام المصنف تفضيله على جميع الخلق الأنبياء والملائكة وغيرهم ; لأنه حذف المفضل عليه وحذف المعمول يؤذن بالعموم ، وهو مذهب أهل السنة ، قالوا : إن النوع الإنساني أفضل من نوع الملائكة ، وأن [ ص: 35 ] خواص بني آدم وهم الأنبياء أفضل من خواص الملائكة وهم الرسل منهم ، وأن عوام بني آدم وهم الأتقياء الأولياء أفضل من عوام الملائكة كالسياحين منهم ، قال تعالى { كنتم خير أمة أخرجت للناس } وقال تعالى { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين } وفي الصحيحين { آدم } ويؤخذ منه تفضيله على أنا سيد ولد آدم أيضا بطريق الأولى ; لأن أفضل الأنبياء والمرسلين أولو العزم وهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم ، وقيل إن أفضل الأنبياء بعد نبينا آدم ، وعليه فيؤخذ تفضيله عليه من قوله صلى الله عليه وسلم { } وخص يوم القيامة بالذكر لظهوره لكل أحد بلا منازعة كقوله تعالى { أنا سيد الناس يوم القيامة لمن الملك اليوم لله } وقوله صلى الله عليه وسلم { آدم ومن دونه تحت لوائي } وقوله صلى الله عليه وسلم في خبر الترمذي { } ونوع الآدمي أفضل الخلق فهو صلى الله عليه وسلم أفضلهم . وأنا أكرم الأولين والآخرين على الله ولا فخر
وقد حكى الرازي الإجماع على أنه مفضل على جميع العالمين . وأما قوله صلى الله عليه وسلم { } وقوله { لا تفضلوا بين الأنبياء يونس بن متى } ونحوهما . فأجيب عنها بأنه نهى عن تفضيل يؤدي إلى تنقيص بعضهم فإن ذلك كفر ، أو عن تفضيل في نفس النبوة التي لا تتفاوت لا في ذوات الأنبياء المتفاوتين بالخصائص ، وقد قال تعالى { لا تفضلوني على فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات } أو نهى عن ذلك تأدبا وتواضعا ، أو نهى عنه قبل علمه بأنه أفضل الخلق ، ولهذا لما علم قال { آدم ولا فخر } وقد بينا ترتيب أولي العزم في الأفضلية في شرح العباب والأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا ، أنا سيد ولد منهم فقيل ثلاثمائة وأربعة عشر ، وقيل ثلاثة عشر ، وأحرف اسم نبينا بالجمل الكبير ثلاثمائة وأربعة عشر ، إذ فيه ثلاث ميمات ; لأن الحرف المشدد بحرفين ولفظ ميم ثلاثة أحرف ، فجملتها مائتان وسبعون ، ولفظ دال بخمسة وثلاثين ، ولفظ حاء بتسعة ، ففي اسمه الكريم إشارة إلى أن جميع الكمالات الموجودة في المرسلين موجودة فيه ، وزيادة واحد على القول بأنهم ثلاثمائة [ ص: 36 ] وثلاثة عشر . واختلف في عدد الرسل
وذكر التشهد لخبر أبي داود والترمذي : { } : أي القليلة البركة ، وتطلق اليد الجذماء على التي ذهب أصابعها دون الكف أو معه ، فشبه ما لا تشهد فيه من الخطب باليد التي فقدت أصابعها مع كفها أو دونه فلا يقدر صاحبها على التوصل بها إلى تحصيل ما حاوله ، فإطلاق الأقطع على ما ذكر تشبيه بليغ أو استعارة على القولين لعلماء البيان فيما حذفت فيه أداة التشبيه ، وجعل المشبه به خبرا عن المشبه والمختار منهما الأول ( صلى الله عليه وسلم وزاده فضلا وشرفا لديه ) أي عنده ، والقصد بذلك الدعاء ; لأن الكامل يقبل زيادة الترقي ، فاندفع ما زعمه جمع من امتناع الدعاء له صلى الله عليه وسلم عقب نحو ختم القرآن باللهم اجعل ذلك زيادة في شرفه صلى الله عليه وسلم على أن جميع أعمال أمته تتضاعف له نظيرها ; لأنه السبب فيها أضعافا مضاعفة لا تحصى ، فهي زيادة في شرفه ، وإن لم يسأل ذلك له فسؤاله تصريح بالمعلوم ، وقد أوضحت ذلك وبينت دليله من السنة فيما علقته من الفتاوى : أي اللهم صل وسلم عليه وزده ، وأتى بالأفعال بصيغة الماضي رجاء لتحقق حصول المسئول ، وبالصلاة والتسليم امتثالا لقوله تعالى { كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما } وقد فسر قوله تعالى { ورفعنا لك ذكرك } بأن معناه : لا أذكر إلا وتذكر معي ، والصلاة من الله تعالى رحمة مقرونة بتعظيم ، ومن الملائكة استغفار ، ومن المكلفين تضرع ودعاء ، وقرن بينها وبين السلام خروجا من كراهة إفراد أحدهما عن الآخر .
فإن قلت : قد جاءت الصلاة عليه غير مقرونة بالتسليم في آخر التشهد في الصلاة . فالجواب : أن السلام تقدم فيه في قوله السلام عليك أيها النبي ، وفضلا وشرفا يجوز ترادفهما ، فالجمع للإطناب ، ويحتمل الفرق بأن الأول لطلب زيادة العلوم والمعارف الباطنة ، والثاني لطلب زيادة الأخلاق الكريمة الظاهرة ، وفرق بعضهم بأن الأول ضد النقص ، والثاني علو المجد ، وهو إلى الترادف أقرب