( أما بعد ) أتى بها
[ ص: 37 ] اقتداء بغيره ، وقد كان صلى الله عليه وسلم يأتي بها في خطبه وكتبه حتى رواه
الحافظ عبد القادر الرهاوي عن أربعين صحابيا .
واختلف في أول من ذكرها فقيل
داود وقيل
يعقوب وقيل
قس بن ساعدة وقيل
كعب بن لؤي وقيل
يعرب بن قحطان وقيل
سحبان بن وائل والأول أشبه ويجمع بينه وبين غيره بأنه بالنسبة إلى الأولية المحضة والبقية بالنسبة إلى
العرب خاصة ويجمع بينها بالنسة إلى القبائل وأصلها مهما يكن من شيء بعد الحمد والصلاة فوقعت كلمة أما موضع اسم هو المبتدأ وفعل هو الشرط وتضمنت معناهما فلتضمنها معنى الشرط لزمتها الفاء اللازمة للشرط غالبا ولتضمنها معنى الابتداء لزمها لصوق الاسم اللازم للمبتدأ إقامة للازم مقام الملزوم وإبقاء لأثره في الجملة وبعد من الظروف والعامل
[ ص: 38 ] فيها أما عند
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه لنيابتها عن الفعل ، والفعل نفسه عند غيره ، والمعروف بناؤه ها هنا على الضم لنية معنى المضاف إليه دون لفظه ، وروي تنوينها مرفوعة ومنصوبة لعدم الإضافة لفظا وتقديرا ، وفتحها بلا تنوين على تقدير لفظ المضاف إليه ( فإن الاشتغال ) افتعال من الشغل بفتح أوله وضمه ( بالعلم من أفضل الطاعات ) لأدلة أكثر من أن تحصر وأشهر من أن تذكر كقوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=18شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط } وقوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=28إنما يخشى الله من عباده العلماء } وخبر الصحيحين {
nindex.php?page=hadith&LINKID=10564إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له }
[ ص: 39 ] وخبر
الترمذي وغيره {
nindex.php?page=hadith&LINKID=24265فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم } وخبر
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم في صحيحيهما {
nindex.php?page=hadith&LINKID=86022إن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم بما يصنع } ولأن الطاعات مفروضة ومندوبة ، والمفروض أفضل من المندوب والاشتغال بالعلم منه ; لأنه إما فرض عين أو كفاية . وعرفه
الرازي بأنه حكم الذهن الجازم المطابق لموجب ، والسيد في شرح المواقف بأنه صفة قائمة بمحل متعلقة بشيء توجب تلك الصفة إيجابا عاديا كون محلها مميزا للمتعلق تمييزا لا يحتمل ذلك المتعلق نقيض ذلك التمييز .
واللام في العلم للجنس أو للعهد الذكري ، وهو الفقه المتقدم في قوله للتفقه ، أو العلم الشرعي الصادق بالتفسير والحديث ، والفقه المتقدم في قوله الدين ، أو لاستغراق أفراد العلم المشروع : أي الذي يسوغ تعلمه شرعا . قال بعضهم : وعدته تزيد على المائة ، ولا يعكر عليه أنه يدخل فيه معرفة الله تعالى وغيرها مما لا بد من تقديمه ; لأنه أفضل مطلقا ; لأنه جعل جملة من الطاعات أفضل وجعل الاشتغال بالعلم منها ، وكون الجملة أفضل لا يضره كون بعضها أفضل مطلقا ( و ) من
[ ص: 40 ] ( أولى ما أنفقت فيه نفائس الأوقات ) وهو العبادات شبه شغل الأوقات بها بصرف المال في وجوه الخير المسمى بالإنفاق ، فأطلق عليه لفظ الإنفاق مجازا ، ووصف الأوقات بالنفاسة ; لأنه لا يمكن تعويض ما يفوت منها بلا عبادة ، والنفيس ما يرغب فيه ، وأضاف إليها صفتها للسجع ، ويصح أن يكون من إضافة الأعم إلى الأخص كمسجد الجامع ، ويجوز أن تكون إضافته بيانية ; لأن الإضافة البيانية على تقدير من البيانية أو التبعيضية أو الابتدائية والكل ممكن هنا ; لأن الأوقات وإن كانت نفيسة كلها في الحقيقة لكن بعضها يعد في العرف نفيسا بالنسبة إلى بعض آخر ، وقد جاء الشرع بتفضيل بعضها .
وقوله أولى عطف على أفضل كما تقرر ، ولا يصح عطفه على الجار والمجرور للتنافي بينهما ، إذ يصير التقدير أن الاشتغال بالعلم أولى ما أنفقت فيه نفائس الأوقات ، فيناقض التبعيض السابق والمصنف وصف الأوقات بالنفيسة ثم جمع النفيسة على نفائس ، إذ لا يصح أن يكون جمعا لنفيس وإنما هو جمع لكل رباعي مؤنث بمدة قبل آخره مختوما بالتاء أو مجردا عنها ( وقد ) للتحقيق هنا ( أكثر أصحابنا رحمهم الله من ) يجوز كونها زائدة لصحة المعنى بدونها ، وقيل بمعنى في كإذا نودي للصلاة من يوم الجمعة وفيه تعسف والفرق لائح . وقيل للمجاوزة كما في زيد أفضل من عمرو : أي جاوزه في الفضل
[ ص: 41 ] وهنا للتجاوز والإكثار مما ذكر في قوله ( التصنيف من المبسوطات والمختصرات ) في الفقه والصحبة هنا الاجتماع في اتباع الإمام المجتهد فيما يراه من الأحكام مجازا عن الاجتماع في العشرة ولهذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي العلم بين أهل العلم رحم متصلة والتصنيف جعل الشيء أصنافا يتميز بعضها عن بعض والمبسوط ما كثر لفظه ومعناه والمختصر ما قل لفظه وكثر معناه ، وقوله من المبسوطات بدل اشتمال بإعادة الجار والأصل وقد أكثر أصحابنا المصنفات المبسوطات ، ويجوز كون من بيانية ، وفيه إن لم يجعل المصدر بمعنى اسم المفعول نظر ; لأن التصنيف غير المبسوط .
( وأتقن ) أي أحكم ( مختصر المحرر ) أي المهذب المنقى ( للإمام )
إمام الدين عبد الكريم القزويني ( أبي القاسم الرافعي ) منسوب إلى
nindex.php?page=showalam&ids=46رافع بن خديج الصحابي كما وجد بخطه ، ورد على من زعم أنه منسوب إلى رافعان معروفة ببلاد
قزوين ، وتكنية المصنف
للرافعي بأبي القاسم جارية على تخصيصه تحريمها بزمن النبي صلى الله عليه وسلم وعلى تخصيص
الرافعي بجمع الاسم والكنية ، ولكن المذهب التحريم مطلقا ، وأشار بعضهم إلى أن محل الخلاف إنما هو
[ ص: 42 ] وفي وضعها ، أما إذا وضعت لإنسان واشتهر بها فلا يحرم ; لأن النهي لا يشمله وللحاجة ، كما اغتفروا التلقيب بنحو
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش لذلك ( رحمه الله ذي التحقيقات ) الكثيرة في العلم والتدقيقات الغزيرة في الدين ، إذ اللام للاستغراق فاندفع ما قيل إن جمع السلامة للقلة على مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه ، وليس فيه كبير مدح ، فلو عدل إلى جمع الكثرة لكان أنسب
( أَمَّا بَعْدُ ) أَتَى بِهَا
[ ص: 37 ] اقْتِدَاءً بِغَيْرِهِ ، وَقَدْ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِي بِهَا فِي خُطَبِهِ وَكُتُبِهِ حَتَّى رَوَاهُ
الْحَافِظُ عَبْدُ الْقَادِرِ الرَّهَاوِيُّ عَنْ أَرْبَعِينَ صَحَابِيًّا .
وَاخْتُلِفَ فِي أَوَّلِ مَنْ ذَكَرَهَا فَقِيلَ
دَاوُد وَقِيلَ
يَعْقُوبُ وَقِيلَ
قُسُّ بْنُ سَاعِدَةَ وَقِيلَ
كَعْبُ بْنُ لُؤَيٍّ وَقِيلَ
يَعْرُبُ بْنُ قَحْطَانَ وَقِيلَ
سَحْبَانُ بْنُ وَائِلٍ وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ وَيُجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ بِأَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَوَّلِيَّةِ الْمَحْضَةِ وَالْبَقِيَّةُ بِالنِّسْبَةِ إلَى
الْعَرَبِ خَاصَّةً وَيُجْمَعُ بَيْنَهَا بِالنَّسَّةِ إلَى الْقَبَائِلِ وَأَصْلُهَا مَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيْءٍ بَعْدَ الْحَمْدِ وَالصَّلَاةِ فَوَقَعَتْ كَلِمَةُ أَمَّا مَوْضِعَ اسْمٍ هُوَ الْمُبْتَدَأُ وَفِعْلٍ هُوَ الشَّرْطُ وَتَضَمَّنَتْ مَعْنَاهُمَا فَلِتَضَمُّنِهَا مَعْنَى الشَّرْطِ لَزِمَتْهَا الْفَاءُ اللَّازِمَةُ لِلشَّرْطِ غَالِبًا وَلِتَضَمُّنِهَا مَعْنَى الِابْتِدَاءِ لَزِمَهَا لُصُوقُ الِاسْمِ اللَّازِمِ لِلْمُبْتَدَأِ إقَامَةً لِلَّازِمِ مَقَامَ الْمَلْزُومِ وَإِبْقَاءً لِأَثَرِهِ فِي الْجُمْلَةِ وَبَعْدُ مِنْ الظُّرُوفِ وَالْعَامِلُ
[ ص: 38 ] فِيهَا أَمَّا عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ لِنِيَابَتِهَا عَنْ الْفِعْلِ ، وَالْفِعْلُ نَفْسُهُ عِنْدَ غَيْرِهِ ، وَالْمَعْرُوفُ بِنَاؤُهُ هَا هُنَا عَلَى الضَّمِّ لِنِيَّةِ مَعْنَى الْمُضَافِ إلَيْهِ دُونَ لَفْظِهِ ، وَرُوِيَ تَنْوِينُهَا مَرْفُوعَةً وَمَنْصُوبَةً لِعَدَمِ الْإِضَافَةِ لَفْظًا وَتَقْدِيرًا ، وَفَتْحُهَا بِلَا تَنْوِينٍ عَلَى تَقْدِيرِ لَفْظِ الْمُضَافِ إلَيْهِ ( فَإِنَّ الِاشْتِغَالَ ) افْتِعَالٌ مِنْ الشُّغْلِ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّهِ ( بِالْعِلْمِ مِنْ أَفْضَلِ الطَّاعَاتِ ) لِأَدِلَّةٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ تُحْصَرَ وَأَشْهَرَ مِنْ أَنْ تُذْكَرَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=18شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ } وَقَوْلِهِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=28إنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ } وَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=10564إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ : صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ }
[ ص: 39 ] وَخَبَرِ
التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=24265فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ } وَخَبَرِ
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابْنِ حِبَّانَ nindex.php?page=showalam&ids=14070وَالْحَاكِمِ فِي صَحِيحَيْهِمَا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=86022إنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ بِمَا يَصْنَعُ } وَلِأَنَّ الطَّاعَاتِ مَفْرُوضَةٌ وَمَنْدُوبَةٌ ، وَالْمَفْرُوضُ أَفْضَلُ مِنْ الْمَنْدُوبِ وَالِاشْتِغَالُ بِالْعِلْمِ مِنْهُ ; لِأَنَّهُ إمَّا فَرْضُ عَيْنٍ أَوْ كِفَايَةٍ . وَعَرَّفَهُ
الرَّازِيّ بِأَنَّهُ حُكْمُ الذِّهْنِ الْجَازِمِ الْمُطَابِقِ لِمُوجِبٍ ، وَالسَّيِّدُ فِي شَرْحِ الْمَوَاقِفِ بِأَنَّهُ صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِمَحَلٍّ مُتَعَلِّقَةٌ بِشَيْءٍ تُوجِبُ تِلْكَ الصِّفَةُ إيجَابًا عَادِيًا كَوْنَ مَحَلِّهَا مُمَيِّزًا لِلْمُتَعَلِّقِ تَمْيِيزًا لَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ الْمُتَعَلِّقُ نَقِيضَ ذَلِكَ التَّمْيِيزِ .
وَاللَّامُ فِي الْعِلْمِ لِلْجِنْسِ أَوْ لِلْعَهْدِ الذِّكْرِيِّ ، وَهُوَ الْفِقْهُ الْمُتَقَدِّمُ فِي قَوْلِهِ لِلتَّفَقُّهِ ، أَوْ الْعِلْمُ الشَّرْعِيُّ الصَّادِقُ بِالتَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ ، وَالْفِقْهُ الْمُتَقَدِّمُ فِي قَوْلِهِ الدِّينِ ، أَوْ لِاسْتِغْرَاقِ أَفْرَادِ الْعِلْمِ الْمَشْرُوعِ : أَيْ الَّذِي يُسَوِّغُ تَعَلُّمَهُ شَرْعًا . قَالَ بَعْضُهُمْ : وَعُدَّتُهُ تَزِيدُ عَلَى الْمِائَةِ ، وَلَا يُعَكِّرُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ مَعْرِفَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَغَيْرُهَا مِمَّا لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِهِ ; لِأَنَّهُ أَفْضَلُ مُطْلَقًا ; لِأَنَّهُ جَعَلَ جُمْلَةً مِنْ الطَّاعَاتِ أَفْضَلَ وَجَعَلَ الِاشْتِغَالَ بِالْعِلْمِ مِنْهَا ، وَكَوْنُ الْجُمْلَةِ أَفْضَلَ لَا يَضُرُّهُ كَوْنُ بَعْضِهَا أَفْضَلَ مُطْلَقًا ( وَ ) مِنْ
[ ص: 40 ] ( أَوْلَى مَا أَنْفَقْت فِيهِ نَفَائِسَ الْأَوْقَاتِ ) وَهُوَ الْعِبَادَاتُ شَبَّهَ شَغْلَ الْأَوْقَاتِ بِهَا بِصَرْفِ الْمَالِ فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ الْمُسَمَّى بِالْإِنْفَاقِ ، فَأُطْلِقَ عَلَيْهِ لَفْظُ الْإِنْفَاقِ مَجَازًا ، وَوَصَفَ الْأَوْقَاتِ بِالنَّفَاسَةِ ; لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَعْوِيضُ مَا يَفُوتُ مِنْهَا بِلَا عِبَادَةٍ ، وَالنَّفِيسُ مَا يُرْغَبُ فِيهِ ، وَأَضَافَ إلَيْهَا صِفَتَهَا لِلسَّجْعِ ، وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِنْ إضَافَةِ الْأَعَمِّ إلَى الْأَخَصِّ كَمَسْجِدِ الْجَامِعِ ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ إضَافَتُهُ بَيَانِيَّةً ; لِأَنَّ الْإِضَافَةَ الْبَيَانِيَّةَ عَلَى تَقْدِيرٍ مِنْ الْبَيَانِيَّةِ أَوْ التَّبْعِيضِيَّةِ أَوْ الِابْتِدَائِيَّةِ وَالْكُلُّ مُمْكِنٌ هُنَا ; لِأَنَّ الْأَوْقَاتِ وَإِنْ كَانَتْ نَفِيسَةً كُلَّهَا فِي الْحَقِيقَةِ لَكِنَّ بَعْضَهَا يُعَدُّ فِي الْعُرْفِ نَفِيسًا بِالنِّسْبَةِ إلَى بَعْضٍ آخَرَ ، وَقَدْ جَاءَ الشَّرْعُ بِتَفْضِيلِ بَعْضِهَا .
وَقَوْلُهُ أَوْلَى عَطْفٌ عَلَى أَفْضَلَ كَمَا تَقَرَّرَ ، وَلَا يَصِحُّ عَطْفُهُ عَلَى الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ لِلتَّنَافِي بَيْنَهُمَا ، إذْ يَصِيرُ التَّقْدِيرُ أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالْعِلْمِ أَوْلَى مَا أَنْفَقْت فِيهِ نَفَائِسَ الْأَوْقَاتِ ، فَيُنَاقِضُ التَّبْعِيضَ السَّابِقَ وَالْمُصَنِّفُ وَصَفَ الْأَوْقَاتِ بِالنَّفِيسَةِ ثُمَّ جَمَعَ النَّفِيسَةَ عَلَى نَفَائِسَ ، إذْ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ جَمْعًا لِنَفِيسٍ وَإِنَّمَا هُوَ جَمْعٌ لِكُلِّ رُبَاعِيٍّ مُؤَنَّثٍ بِمُدَّةٍ قَبْلَ آخِرِهِ مَخْتُومًا بِالتَّاءِ أَوْ مُجَرَّدًا عَنْهَا ( وَقَدْ ) لِلتَّحْقِيقِ هُنَا ( أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ مَنْ ) يُجَوِّزُ كَوْنَهَا زَائِدَةً لِصِحَّةِ الْمَعْنَى بِدُونِهَا ، وَقِيلَ بِمَعْنَى فِي كَإِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَفِيهِ تَعَسُّفٌ وَالْفَرْقُ لَائِحٌ . وَقِيلَ لِلْمُجَاوَزَةِ كَمَا فِي زَيْدٍ أَفْضَلُ مِنْ عَمْرٍو : أَيْ جَاوَزَهُ فِي الْفَضْلِ
[ ص: 41 ] وَهُنَا لِلتَّجَاوُزِ وَالْإِكْثَارِ مِمَّا ذَكَرَ فِي قَوْلِهِ ( التَّصْنِيفُ مِنْ الْمَبْسُوطَاتِ وَالْمُخْتَصَرَاتِ ) فِي الْفِقْهِ وَالصُّحْبَةِ هُنَا الِاجْتِمَاعُ فِي اتِّبَاعِ الْإِمَامِ الْمُجْتَهِدِ فِيمَا يَرَاهُ مِنْ الْأَحْكَامِ مَجَازًا عَنْ الِاجْتِمَاعِ فِي الْعَشَرَةِ وَلِهَذَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ الْعِلْمُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ رَحِمٌ مُتَّصِلَةٌ وَالتَّصْنِيفُ جَعَلَ الشَّيْءَ أَصْنَافًا يَتَمَيَّزُ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ وَالْمَبْسُوطُ مَا كَثُرَ لَفْظُهُ وَمَعْنَاهُ وَالْمُخْتَصَرُ مَا قَلَّ لَفْظُهُ وَكَثُرَ مَعْنَاهُ ، وَقَوْلُهُ مِنْ الْمَبْسُوطَاتِ بَدَلُ اشْتِمَالٍ بِإِعَادَةِ الْجَارِّ وَالْأَصْلِ وَقَدْ أَكْثَرَ أَصْحَابُنَا الْمُصَنَّفَاتِ الْمَبْسُوطَاتِ ، وَيَجُوزُ كَوْنُ مِنْ بَيَانِيَّةً ، وَفِيهِ إنْ لَمْ يَجْعَلْ الْمَصْدَرَ بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ التَّصْنِيفَ غَيْرُ الْمَبْسُوطِ .
( وَأَتْقَنَ ) أَيْ أَحْكَمَ ( مُخْتَصَرَ الْمُحَرَّرِ ) أَيْ الْمُهَذَّبَ الْمُنَقَّى ( لِلْإِمَامِ )
إمَامِ الدِّينِ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْقَزْوِينِيِّ ( أَبِي الْقَاسِمِ الرَّافِعِيِّ ) مَنْسُوبٌ إلَى
nindex.php?page=showalam&ids=46رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ الصَّحَابِيِّ كَمَا وُجِدَ بِخَطِّهِ ، وَرَدَّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَى رَافِعَانِ مَعْرُوفَةٍ بِبِلَادِ
قَزْوِينَ ، وَتَكْنِيَةُ الْمُصَنِّفِ
لَلرَّافِعِيِّ بِأَبِي الْقَاسِمِ جَارِيَةٌ عَلَى تَخْصِيصِهِ تَحْرِيمَهَا بِزَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى تَخْصِيصِ
الرَّافِعِيِّ بِجَمْعِ الِاسْمِ وَالْكُنْيَةِ ، وَلَكِنَّ الْمَذْهَبَ التَّحْرِيمُ مُطْلَقًا ، وَأَشَارَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ إنَّمَا هُوَ
[ ص: 42 ] وَفِي وَضْعِهَا ، أَمَّا إذَا وُضِعَتْ لِإِنْسَانٍ وَاشْتُهِرَ بِهَا فَلَا يَحْرُمُ ; لِأَنَّ النَّهْيَ لَا يَشْمَلُهُ وَلِلْحَاجَةِ ، كَمَا اغْتَفَرُوا التَّلْقِيبَ بِنَحْوِ
nindex.php?page=showalam&ids=13726الْأَعْمَشِ لِذَلِكَ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ذِي التَّحْقِيقَاتِ ) الْكَثِيرَةِ فِي الْعِلْمِ وَالتَّدْقِيقَاتِ الْغَزِيرَةِ فِي الدِّينِ ، إذْ اللَّامُ لِلِاسْتِغْرَاقِ فَانْدَفَعَ مَا قِيلَ إنَّ جَمْعَ السَّلَامَةِ لِلْقِلَّةِ عَلَى مَذْهَبِ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ ، وَلَيْسَ فِيهِ كَبِيرُ مَدْحٍ ، فَلَوْ عَدَلَ إلَى جَمْعِ الْكَثْرَةِ لَكَانَ أَنْسَبَ