( ولا ) لحديث { تنجس قلتا الماء بملاقاة نجس } أي يدفع النجاسة كما يقال : فلان لا يحمل الظلم : أي يدفعه عن نفسه ، وشمل ذلك ما لو شك في كثرته عملا بأصل الطهارة ولأنا شككنا في نجاسة منجسة ، ولا يلزم من حصول النجاسة التنجيس سواء كان ذلك ابتداء أو جمع شيئا فشيئا وشك في وصوله لهما ، كما لو إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث ، فإنه لا تبطل صلاته ولو جاء من قدامه عملا بالأصل أيضا ، ويعتبر في القلتين قوة التراد ، فلو شك المأموم هل تقدم على إمامه أم لا قال كان الماء في حفرتين في كل حفرة قلة وبينهما اتصال من نهر صغير غير عميق فوقع في إحدى الحفرتين نجاسة الإمام : فلست أرى أن ما في [ ص: 75 ] الحفرة الأخرى دافع للنجاسة ، واقتضى إطلاق المصنف النجاسة أنه لا فرق بين كونها جامدة أو مائعة وهو كذلك ، ولا يجب التباعد عنها حال الاغتراف من الماء بقدر قلتين على الصحيح ، بل له أن يغترف من حيث شاء حتى من أقرب موضع إلى النجاسة ( فإن غيره ) أي النجس الملاقي ( فنجس ) بالإجماع سواء أكان التغير قليلا أم كثيرا ، وسواء المخالط والمجاور .
ولا فرق بين الحسي والتقديري كما مر ، غير أنه هنا يكتفي بأدنى تغير ، وهناك لا بد من فحشه ، ولو تغير بعضه فقط فالمتغير نجس ، وأما الباقي فإن كان كثيرا لم ينجس وإلا تنجس ، ولو فهي طاهرة كما أفتى به بال في البحر مثلا فارتفعت منه رغوة الوالد رحمه الله تعالى ; لأنها بعض الماء الكثير خلافا لما في العباب ، ويمكن حمل كلام القائل بنجاستها على تحقق كونها من البول ، وإن لم تنجسه ( فإن زال تغيره ) الحسي أو التقديري ( بنفسه ) لا بعين [ ص: 76 ] كطول مكث وهبوب ريح ( أو بماء ) ولو نجسا زيد عليه أو نبع منه أو نقص منه والباقي بعده كثير ( طهر ) لزوال سبب النجاسة فعاد كما كان عليه قبل وافهم كلامه ، والعلة أن القليل لا يطهر بانتفاء تغيره وهو ظاهر ، ويحتمل أن يطهر بذلك فيما إذا كان تغيره بميت لا يسيل دمه أو نحوه مما يعفى عنه ، وما تقرر من طهارته بزوال التغير بنفسه هو نظير المرجح في الجلالة إذا زال تغيرها بمرور الزمان كما سيأتي فلا حاجة إلى الفرق ; ولو زال التغير ثم عاد فإن كانت النجاسة جامدة وهي فيه فنجس ، وإن كانت مائعة أو جامدة وقد أزيلت قبل التغير الثاني لم ينجس . طرحت في البحر بعرة مثلا فوقعت منه قطرة بسبب سقوطها على شيء
وطهر بفتح الهاء وضمها والفتح أفصح ( أو ) زال : أي ظاهرا ، فلا ينافي التعليل بالشك . الآتي فلا اعتراض على المصنف في العطف المقتضي لتقدير الزوال الذي ذكرته تغير ريحه ( بمسك [ ص: 77 ] و ) لونه بسبب ( زعفران ) أو طعمه بخل مثلا ( فلا ) يطهر حال كدورته فلا تعود طهوريته بل هو باق على نجاسته للشك في أن التغير زال ، أو استتر بل الظاهر الاستتار وكذا تراب ، وجص في الأظهر لما تقدم فإن صفى ولم يبق به تغير طهر ويحكم بطهورية التراب أيضا . والحاصل أنه إذا صفى الماء ولم يبق فيه تكدر يحصل به شك في زوال التغير طهر كل من الماء والتراب سواء أكان الباقي عما رسب فيه التراب قلتين أم لا ، نعم إن كان عين التراب نجسة لا يمكن تطهيرها كتراب المقابر المنبوشة ، إذ نجاسته مستحكمة فلا يطهر أبدا ; لأن التراب حينئذ كنجاسة جامدة ، فإن بقيت كثرة الماء لم يتنجس وإلا تنجس ، وغير التراب مثله في ذلك ، ومحل ما تقرر إذا احتمل ستر التغير بما طرأ كأن زالت الرائحة بطرح المسك أو الطعم بطرح الخل أو اللون بطرح الزعفران .
فلو طهر ، وقس على ذلك ; لأن الزعفران لا يستر الريح والمسك لا يستر اللون ، فعلم أن الكلام إذا فرض انتفاء الريح والطعم عن شيء قطعا كعود مثلا أو لم يظهر فيه ريح الزعفران ولا طعمه ، ومنه يؤخذ أنه لو وضع مسك في متغير الريح فزال ريحه ولم تظهر فيه رائحة المسك أنه يطهر ولا بعد فيه لعدم الاستتار . وحاصل ذلك أن شرط إناطة الحكم بالشك في زوال التغير أو استتاره حتى يحكم ببقاء النجاسة تغليبا لاحتمال الاستتار أنه لا بد من احتمال إحالة زوال التغير على تغير ريح ماء وطعمه بنجس فألقي زعفران أو لونه وطعمه فألقي مسك فزال تغيره ، فحيث احتمال إحالته على استتاره بالواقع فالنجاسة باقية لكوننا لم نتحقق زوال التغير المقتضي [ ص: 78 ] للنجاسة بل يحتمل زواله واستتاره والأصل بقاؤها ، وحيث لم يحتمل ذلك فهي زائلة فيحكم بطهارته ، وعلم أن رائحة المسك لو ظهرت ثم زالت وزال التغير حكمنا بالطهارة ; لأنها لما زالت ولم يظهر التغير علمنا أنه زال بنفسه ، ومقابل الأظهر أنه يطهر ; لأن التراب ونحوه لا يغلب على شيء من الأوصاف الثلاثة حتى يفرض ستره إياها ، فإذا لم يصادف تغيرا أشعر ذلك بالزوال . الواقع في الماء من مخالط أو مجاور
والجص بفتح الجيم وكسرها عجمي معرب ، وهو المسمى بالجبس من لحن العامة