ثم انتقل المصنف إلى بيان وقت الضرورة والمراد به وهي الصبا والكفر والجنون والإغماء والحيض والنفاس فقال ( ولو زالت هذه الأسباب ) أي الموانع ( و ) قد ( بقي من الوقت قدر تكبيرة ) أي قدر زمنها فأكثر ( وجبت الصلاة ) أي صلاة ذلك الوقت لخبر { وقت زوال موانع الوجوب } السابق بجامع إدراك ما يسع ركنا وقياسا على اقتداء [ ص: 395 ] المسافر بالمتم بجامع اللزوم ، وإنما لم تدرك الجمعة بدون ركعة لأن ذاك إدراك إسقاط وهذا إدراك إيجاب فاحتيط فيهما ، ومفهوم الخبر لا ينافي القياس المذكور لأن مفهومه أنها لا تكون أداء لا أنها لا تجب قضاء ، أما إذا بقي دون تكبيرة فلا لزوم وإن تردد فيه من أدرك ركعة الجويني ( وفي قول يشترط ركعة ) بأخف ما يمكن ، كما أن الجمعة لا تدرك بأقل من ركعة ولمفهوم خبر { } متفق عليه ، وشرط الوجوب على القولين بقاء السلامة عن الموانع بقدر فعل الطهارة والصلاة بأخف ما يمكن ، فلو عاد العذر قبل ذلك لم تجب الصلاة . من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر
قال في المهمات : والقياس باعتبار وقت الستر ، ولو قيل باعتبار زمن التحري في القبلة لكان متجها انتهى ، وفيه نظر .
والفرق بين اعتبار زمن الطهارة وعدم اعتبار زمن الستر أن الطهارة تختص بالصلاة ، بخلاف ستر العورة ، وقد أشار ابن الرفعة إلى [ ص: 396 ] هذا الفرق فإنه نقل عن بعضهم فيما إذا طرأ العذر بعد دخول الوقت أنه لا يعتبر مضي قدر السترة لتقدم إيجابها على وقت الصلاة ، وحاصل ذلك أن الأوجه عدم اعتبار كل من السترة والتحري في القبلة ، ولا يشترط أن يدرك مع التكبيرة أو الركعة قدر الطهارة على الأظهر ، لأن الطهارة شرط للصحة لا للزوم ولأنها لا تختص بالوقت ( والأظهر ) على الأول ( وجوب الظهر ) مع العصر ( بإدراك تكبيرة آخر العصر و ) وجوب ( المغرب ) مع العشاء بإدراك ذلك ( آخر ) وقت ( العشاء ) لأن وقت العصر وقت للظهر ، ووقت العشاء وقت للمغرب في حالة العذر ، ففي حالة الضرورة أولى لأنها فوق العذر ، والثاني لا بد مع التكبيرة التي في آخر العصر من أربع ركعات ، لأن إيجاب الصلاتين سببه الحمل على الجمع كما ذكرناه ، وصورة الجمع إنما تتحقق إذا أوقع إحدى الصلاتين في الوقت وشرع في الأخرى ، وفهم من كلام المصنف أن الصلاة التي لا تجمع مع ما قبلها وهي الصبح والظهر والمغرب إذا زال العذر في آخرها وجبت هي فقط وهو كذلك لانتفاء العلة وهي جعل الوقت كالوقت الواحد ، ولا بد في إيجابهما من زوال المانع مدة تسعهما معا ، فقد صرح الرافعي بأنه إذا زال العذر وعاد أنه لا بد من ذلك .
قال الإسنوي : ومسألتنا هذه أولى من تلك بالاشتراط لأن الإدراك في الوقت أولى منه خارج الوقت ، ولو وجبتا دون الظهر ، ولو أدرك من وقت العصر قدر تكبيرة ومضى بعد المغرب ما يسع العصر معها فيتعين صرفه إلى المغرب وما فضل لا يكفي للعصر فلا تجب ، ذكره أدرك ركعة آخر العصر مثلا وخلا من الموانع ما يسعها وطهرها فعاد المانع بعد أن أدرك من وقت المغرب ما يسعها البغوي في فتاويه ، وظاهره أنه لا فرق بين أن يشرع في العصر أو لا وهو المعتمد ، وإن قال ابن العماد : إن ما ذكره ظاهر إذا لم يشرع في العصر قبل المغرب ، وإلا فيتعين صرفه لها لعدم تمكنه من المغرب لاشتغاله بالعصر التي شرع فيما وجوبا قبل المغرب ويطرد ذلك في غير المغرب أيضا