( ضبة كبيرة لزينة حرم ) استعماله واتخاذه ، ومثله ما إذا كانت مع كبرها بعضها لزينة وبعضها لحاجة ، وكأن وجهه أنه لما انبهم ولم يتميز عما للحاجة غلب وصار [ ص: 106 ] المجموع كأنه للزينة ، وعليه لو تميز الزائد على الحاجة كان له حكم ما للزينة وهو ظاهر ( أو صغيرة بقدر الحاجة فلا ) يحرم ولا يكره ، فإن كان بعضها لزينة وبعضها لحاجة جازت مع الكراهة ( أو صغيرة لزينة أو كبيرة لحاجة جاز في الأصح ) نظرا للصغر وللحاجة لكن مع الكراهة ، وشملت الضبة للحاجة ما لو عمت جميع الإناء وهو كذلك ، والقول بأنها لا تسمى حينئذ ضبة ممنوع ، والثاني ينظر إلى الزينة والكبر ، وأصل ضبة الإناء ما يصلح به خلله من صفيحة أو غيرها وإطلاقها على ما هو للزينة توسع ، ومرجع الكبيرة والصغيرة العرف ، فإن شك في الكبر فالأصل الإباحة . ( وما ضبب ) من إناء ( بذهب أو فضة )
ولا يشكل ذلك مما سيأتي في اللباس من أنه لو أنه يحرم استعماله أو شك في التفسير هل هو أكثر من القرآن أو لا فإنه يحرم على المحدث مسه ; لأنا نقول : ملابسة الثوب للبدن أشد من ملابسة الضبة له فاحتيط ثم ما لا يحتاط له هنا ، وأما التفسير فإنما حرم مع الشك تغليبا لجانب التعظيم ، والمراد بالحاجة غرض الإصلاح لا العجز عن غير النقدين ; لأن العجز عن غيرهما يبيح استعمال الإناء الذي كله من ذهب أو فضة فضلا عن المضبب ، وتوسع شك في ثوب فيه حرير وغيره أيهما أكثر المصنف كما قاله الشارح في نصب الضبة بفعلها نصب المصدر : أي لأن انتصاب الضبة على المفعول المطلق فيه توسع على خلاف الأكثر ، إذ أكثر ما يكون المفعول المطلق مصدرا وهو اسم الحدث الجاري على الفعل كما في نحو { وكلم الله موسى تكليما } .
لكنهم صرحوا بأنه قد ينوب عن المصدر في الانتصاب على المفعول المطلق أشياء كالمشارك للمصدر في حروفه التي صيغته بنيت منها ، ويسمى المشارك في المادة وهو أقسام منها ما يكون اسم عين لا حدث كالضبة فيما نحن فيه وكما في قوله تعالى { والله أنبتكم من الأرض نباتا } فضبة اسم عين مشارك لمصدر ضبب وهو التضبيب في مادته فأنيب منابه في انتصابه على المفعول المطلق . والأصل في جواز ما تقدم ما رواه { البخاري : لقد سقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا كذا وكذا أنس } والظاهر أن الإشارة عائدة للإناء بصفته التي هو عليها عنده واحتمال عودها إليه مع قطع النظر عن ذلك بصفته خلاف الظاهر فلا يعول عليه ، وسمر الدراهم في الإناء لا طرحها فيه كالتضبيب ، ولا يحرم شربه وفي فمه نحو فضة ، ولو أن قدحه صلى الله عليه وسلم الذي كان يشرب فيه كان مسلسلا [ ص: 107 ] بفضة لانصداعه : أي مشعبا بخيط فضة لانشقاقه ، قال جاز ما لم يضع عليه شيئا فيحرم كما هو ظاهر ; لأنه استعمال له فهو إناء بالنسبة إليه وإن لم يسم إناء على الإطلاق نظير الخلال والمرود ، والأوجه كما قاله بعضهم أن المدار على إمكان الانتفاع به وحده وعدمه لا بسمره فيه وعدمه أو سلسله منها ، فكذلك كان لمحض الزينة اشترط صغرهما عرفا كالضبة فيما يظهر ، ولا يلحق بغطاء الإناء غطاء العمامة وكيس الدراهم إذا اتخذهما من حرير خلافا جعل للإناء رأسا من فضة كصفيحة بحيث لا يمكن وضع شيء فيه للإسنوي إذ تغطية الإناء مستحبة بخلاف العمامة ، أما كيس الدراهم فلا حاجة إلى اتخاذه منه .
وألحق صاحب الكافي في احتمال له طبق الكيزان بغطاء الكوز ، والمراد منه صفيحة فيها ثقب للكيزان وفي إباحته بعد ، فإن فرض عدم تسميته إناء وكانت الحرمة منوطة بها فلا بعد فيه حينئذ بالنسبة لاتخاذه واقتنائه ، أما وضع الكيزان عليه فاستعمال له . والمتجه الحرمة نظير ما مر في وضع الشيء على رأس الإناء . وقد بلغ بعضهم الأوجه في مسائل الضبة والإناء والتمويه إلى اثني عشر ألف وجه وأربعمائة وعشرين وجها مع عدم تعرضه للخلاف في ضبط الضبة ، ولو تعرض له لزاد معه العدد على ذلك زيادة كثيرة ( وضبة موضع الاستعمال ) نحو الشرب ( كغيره ) فيما ذكر ( في الأصح ) ; لأن الاستعمال منسوب إلى الإناء كله ، ولأن معنى العين والخيلاء لا تختلف ، والثاني يحرم إناؤها مطلقا لمباشرتها بالاستعمال ; ولو تعددت ضبات صغيرات لزينة فمقتضى كلامهم حلها ، ويتعين حمله على ما إذا لم يحصل من مجموعها قدر ضبة كبيرة ، وإلا فالأوجه تحريمها لما فيها من الخيلاء ، وبه فارق ما يأتي فيما لو تعدد الدم المعفو عنه ولو اجتمع لكثر على أحد الوجهين فيه .
قلت : المذهب تحريم إناء ( ضبة الذهب مطلقا ، والله أعلم ) إذ الخيلاء فيه أشد من الفضة وبابها أوسع بدليل جواز الخاتم منها للرجل ، ومقابل المذهب أن الذهب كالفضة في التفصيل المتقدم .