( قوله عرفة وسبعة إذا فرغ ولو وصام العاجز عنه ثلاثة أيام آخرها يوم بمكة ) أي صام العاجز عن الهدي لقوله تعالى { فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة } والعبرة لأيام النحر في العجز والقدرة وكذا لو قدر على الهدي قبل أن يكمل [ ص: 388 ] صوم الثلاثة أيام أو بعدما أكمل قبل أن يحلق ويحل وهو في أيام الذبح بطل صومه ، ولا يحل إلا بالهدي ولو وجد الهدي بعدما حلق وحل قبل أن يصوم السبعة صح صومه ، ولا يجب عليه ذبح الهدي ولو صام ثلاثة أيام ولم يحلق ولم يحل حتى مضت أيام الذبح ثم وجد الهدي فصومه ماض ولا شيء عليه كذا ذكر الإسبيجابي ، ويدل على أنه لو ينظر فإن بقي إلى يوم النحر لم يجزه للقدرة على الأصل وإن هلك قبل الذبح جاز للعجز عن الأصل فكان المعتبر وقت التحلل كذا في فتح القدير ، وقوله آخرها يوم عرفة بيان للأفضل وإلا فوقته وقت الحج بعد الإحرام بالعمرة ; لأن المراد بالحج في الآية وقته ; لأن نفسه لا يصلح ظرفا ، وإنما كان الأفضل التأخير ; لأن الصوم بدل عن الهدي فيستحب تأخيره إلى آخر وقته رجاء أن يقدر على الأصل كذا في الهداية . صام في وقته مع وجود الهدي
وأشار بقوله إذا فرغ إلى أن المراد بالرجوع في الآية الفراغ من أعمال الحج مجازا إذ الفراغ سبب للرجوع إلى أهله ، وقد عمل بالحقيقة فلم يجوز صومها الشافعي بمكة ، ويشهد له حديث مرفوعا { البخاري } وإنما عدل أئمتنا عن الحقيقة إلى المجاز لفرع مجمع عليه وهو أنه لو لم يكن له وطن أصلا ليرجع إليه بل مستمر على السياحة وجب عليه صومها بهذا النص ولا يتحقق في حقه سوى الرجوع عن الأعمال ، وكذا لو رجع إلى وسبعة إذا رجعتم إلى أهليكم مكة غير قاصد للإقامة بها حتى تحقق رجوعه إلى غير أهله ووطنه ثم بدا له أن يتخذها وطنا كان له أن يصوم بها مع أنه لم يتحقق منه الرجوع إلى وطنه كذا في فتح القدير وأراد بالفراغ الفراغ من أعمال الحج فرضا وواجبا وهو بمضي أيام التشريق ; لأن اليوم الثالث منها يوم للرمي الواجب على من أقام به حتى طلع الفجر فيفيد أنه لو فإنه لا يجوز ، ولما قدمه في بحث الصوم من النهي عن الصوم فيها مطلقا فلذا لم يقيد هاهنا . صام السبعة وبعضها من أيام التشريق
( قوله فإن لم يصم إلى يوم النحر تعين الدم ) أي إن لم يجزه الصوم أصلا ، وصار الدم متعينا ; لأن الصوم بدل والأبدال لا تنصب إلا شرعا ، والنص خصه بوقت الحج وجواز الدم على الأصل وعن لم يصم الثلاثة حتى دخل يوم النحر أنه أمر في مثله بذبح الشاة فلو لم يقدر على الهدي تحلل وعليه دمان [ ص: 389 ] دم التمتع ودم التحلل قبل الهدي كذا في الهداية هنا ، وقال فيما يأتي في آخر الجنايات فإن حلق القارن قبل أن يذبح فعليه دمان عند ابن عمر دم بالحلق في غير أوانه ; لأن أوانه بعد الذبح ، ودم بتأخير الذبح عن الحلق وعندهما يجب عليه دم واحد وهو الأول فنسبه صاحب غاية البيان إلى التخليط لكونه جعل أحد الدمين هنا دم الشكر والآخر دم الجناية وهو صواب وفيما يأتي أثبت عند أبي حنيفة دمين آخرين سوى دم الشكر ، ونسبه في فتح القدير أيضا في باب الجنايات إلى السهو ، وليس كما قالا بل كلامه صواب في الموضعين فهنا لما لم يكن جانيا بالتأخير لأنه لعجزه لم يلزمه لأجله دم ولزمه دم للحلق في غير أوانه وفي باب الجنايات لما كان جانيا بحلقه قبل الذبح لزمه دمان كما قرره ، ولم يذكر دم الشكر ; لأنه قدمه في باب القران وليس الكلام إلا في الجناية ، وسيأتي تمامه هناك بأزيد من هذا إن شاء الله تعالى . أبي حنيفة