( قوله : ودمان لو ) أي يجب دمان عند حلق القارن قبل الذبح بتقديم القارن أو المتمتع الحلق على الذبح أبي حنيفة وعندهما يلزمه دم واحد ، وقد نص ضابط المذهب في الجامع الصغير على أن أحد الدمين دم القران والآخر لتأخير النسك عن وقته ، وأن محمد بن الحسن عندهما يلزم دم القران فقط لكن وقع لكثير من المشايخ اشتباه بسبب ذكر الدمين في باب الجناية فإن الظاهر من العبارات أن الدمين لأجل الجناية ، وإلا كان ذكر الدم الواحد كافيا للعلم بدم القران من بابه ، ومنهم صاحب الهداية فإنه قال : فعليه دمان عند دم بالحلق في غير أوانه ; لأن أوانه بعد الذبح ودم لتأخير الذبح عن [ ص: 27 ] الحلق أبي حنيفة وعندهما يجب دم واحد ، وهو الأول ، ولا يجب بسبب التأخير شيء . ا هـ .
فجعل الدمين للجناية فنسبه في غاية البيان إلى التخبيط ، وإلى التناقض فإنه جعل في باب القران أحدهما للشكر والآخر للجناية ونسبه في فتح القدير إلى أنه سهو من القلم ; لأنه لو وجب ذلك لزم في كل تقديم نسك على نسك دمان ; لأنه لا ينفك عن الأمرين ، ولا قائل به .
ولوجب في حلق القارن قبل الذبح ثلاثة دماء في تفريع من يقول : إن إحرام عمرته انتهى بالوقوف ، وفي تفريع من لا يراه كما قدمناه خمسة دماء ; لأنه جناية على إحرامين والتقديم والتأخير جنايتان ففيهما أربعة دماء ودم القران . ا هـ .
وهكذا في النهاية والعناية ، ولم أر جوابا عنه وظهر لي أنه لا تخبيط ، ولا سهو من صاحب الهداية لما أن في المسألة اختلافا فما في الهداية مبني على قول بعضهم أنه يلزمه دم بالحلق في غير أوانه إجماعا كما صرح به في معراج الدراية وغيرها ويجب دم القران إجماعا ووقع الاختلاف بينهم في الدم الثالث فهاهنا مشى على هذا القول ، وأما قوله قريبا : وقالا لا شيء عليه في الوجهين ، وذكر منه ما إذا حلق قبل الذبح فهو بناء على أصل الرواية المنقولة في الجامع الصغير عنهما أو معناه لا شيء عليه عندهما بسبب التأخير ، وأما بسبب الجناية فيقولان بوجوب الدم وبهذا اندفع ما في العناية ، وأما التناقض الذي ذكره صاحب الغاية فممنوع ; لأن ما ذكره في باب القران من لزوم دم واحد لو حلق قبل الذبح فإنما هو لمن عجز عن الهدي كما هو صورة المسألة فلم يكن جانيا بالحلق في غير أوانه ; لأن الشارع أباح له التحلل بالحلق ، وإنما قدم نسكا على نسك فقط فلزمه دم ، وأما ما ذكره هنا من لزوم دمين لو حلق قبل الذبح فإنما هو لكونه جناية ; لأن الحلق لا يحل له قبل الذبح لقدرته عليه فكان جانيا مؤخرا فلزمه دمان ، وأما إلزام أن ذلك يوجب دمين فيما إذا قدم نسكا على نسك ; لأنه لا ينفك عن الأمرين ، ولم يقل به فممنوع أيضا ; لأن الحلق قبل الذبح لا يحل فكان جناية على الإحرام بخلاف أبو حنيفة فإنه ليس بجناية ; لأنه مباح مشروع في نفسه ، وإنما لم يكن نسكا كاملا إذا قدمه فكيف يوجب دما ، وليس بجناية ، وإنما يجب دم واحد باعتبار التقديم وبهذا يعلم أنه لو حلق قبل الرمي فهو كما لو حلق [ ص: 28 ] قبل الذبح بالأولى . الذبح قبل الرمي
وأما قوله : لوجب ثلاثة دماء فنلتزمه ; لأنه على هذا القول يلزمه ثلاثة دماء دمان للجناية ودم القران ، وأما لزوم خمسة دماء فممنوع على كل قول ; لأن جناية القارن إنما تكون مضمونة بدمين فيما على المفرد فيه دم والمفرد لو حلق قبل الذبح لا يلزمه شيء فلا يتضاعف الغرم على القارن هكذا أجاب في العناية ، وأجاب في غاية البيان بأن التضاعف على القارن إنما يكون فيما إذا أدخل نقصا في إحرام عمرته أما فيما لا يوجب نقصا فيه فلا يجب إلا دم واحد كما قدمناه فإنه قد أتى بركنها وواجبها ولهذا إذا أفاض القارن قبل الإمام أو طاف للزيارة جنبا أو محدثا لا يلزمه إلا دم واحد ; لأنه لا تعلق للعمرة بالوقوف وطواف الزيارة ، وعلى تقدير أن يكون جناية القارن مضمونة بدمين مطلقا فإنه يلزمه أربعة دماء لا خمسة ; لأن حلقه قبل أوانه جناية توجب دمين وتقديم النسك على النسك يوجب دما واحدا ودم القران ، ولا يمكن أن يتعدد دم القران ، ولا يمكن أن يتعدد دم التقديم باعتبار أنه جناية ; لأن الجناية على الحلق قبل أوانه ، وقد وجب فيها دمان فلا يجب شيء آخر هذا ما ظهر لي في توجيه كلام الهداية لكن المذهب خلافه كما قدمناه ، والله أعلم .