( قوله : ) ; لأنه محرم بإحرامين عندنا على ما قدمناه ، وقد جنى عليهما ، وليس إحرام الحج أقوى من إحرام العمرة حتى يستتبعه كما قلنا في ( وكل شيء على المفرد به دم فعلى القارن دمان ) أي دم لحجته ودم لعمرته الحرم أنه يلزمه جزاء واحد للإحرام ; لأنه أقوى ; لأن الإحرامين سواء ; لأنه يحرم بكل واحد منهما ما يحرم بالآخر والتفاوت إنما هو في أداء الأفعال . والتحقيق أن التعدد إنما هو بسبب إدخال النقص على العبادتين بسبب الجناية ، وأراد بوجوب الدم على المفرد ما كان بسبب الجناية على الإحرام بفعل شيء من محظوراته لا مطلقا فإن المفرد إذا ترك واجبا من واجبات الحج لزمه دم ، وإذا تركه القارن لا يتعدد الدم عليه ; لأنه ليس جناية على الإحرام ، وأراد بالدم الكفارة سواء كانت دما أو صدقة فإذا فعل القارن ما يلزم المفرد به صدقة لزمه صدقتان كما صرح به المحرم إذا قتل صيد الولوالجي في فتاويه وسواء كانت كفارة جناية أو كفارة ضرورة فإذا لبس أو غطى رأسه للضرورة تعددت الكفارة ، وأراد بالقارن من كان محرما بإحرامين قارنا كان أو متمتعا ساق الهدي فإنا قدمنا أن لا يخرج عن إحرام العمرة إلا بالحلق يوم النحر وسيأتي في باب إضافة الإحرام إلى الإحرام أن من جمع بين حجتين وجنى جناية قبل الشروع في الأعمال فإنه يلزمه دمان عند المتمتع إذا ساق الهدي ; لأنه محرم بإحرامين كالقارن ، وأطلق في لزوم الدمين فشمل ما إذا كان قبل الوقوف أبي حنيفة بعرفة أو بعده ، ولا خلاف فيما قبله ، وأما فيما بعده فقد قدمنا اختلاف المشايخ في أن إحرام العمرة في حق القارن ينتهي بالوقوف أولا فمن قال بانتهائه لا يقول بالتعدد ، ومن قال ببقائه قال به .
وذكر شيخ الإسلام أن وجوب الدمين على القارن إذا كانت الجناية قبل الوقوف في الجماع وغيره أما بعد الوقوف ففي الجماع يجب دمان ، وفي سائر المحظورات دم واحد . ا هـ .
وقد قدمنا أن المذهب بقاء إحرام عمرة القارن بعد الطواف إلى الحلق فيلزمه بالجناية بعد الوقوف دمان سواء كان جماعا أو قتل صيد أو غيرهما ، وقدمنا أن الصواب أنه ينتهي بالحلق حتى في حق النساء حتى لو لا يلزمه لأجل العمرة شيء فما في الأجناس كما نقله في غاية البيان من أن جامع القارن بعد الحلق يلزمه دم واحد ففرع على قول من قال بانتهاء إحرام العمرة بالوقوف ، وقد علمت ضعفه ( قوله : إلا أن يجاوز الميقات غير محرم ) استثناء منقطع ; لأنه ليس داخلا فيما قبله ; لأن صدر الكلام إنما هو فيما لزم المفرد بسبب الجناية على إحرامه ، والمجاوز بغير إحرام لم يكن محرما ليخرج ; لأنه يلزمه دم سواء أحرم بعد ذلك بحج أو عمرة أو بهما أو لم يحرم أصلا فلا حاجة إلى استثنائه في كلامهم لكن على تقدير أن يحرم بعد المجاوزة فقد أدخل نقصا في إحرامه ، وهو ترك جزء منه بين الميقات والموضع الذي أحرم فيه فتوهم القارن إذا قتل صيدا بعد الوقوف أنه إذا أحرم قارنا أنه أدخل هذا النقص على الإحرامين فأوجب دمين ، وقلنا إن الواجب عليه عند دخول الميقات أحد النسكين فإذا جاوزه بغير إحرام ثم أحرم بهما فقد أدخل النقص على ما لزمه ، وهو أحدهما فلزمه جزاء واحد . زفر
وأورد في غاية البيان على اقتصارهم في الاستثناء على هذه المسألة مسائل منها أن يجب عليه دم واحد كالمفرد ، ومنها إذا القارن إذا أفاض قبل الإمام يجب عليه دم واحد ، ومنها أن طاف طواف الزيارة جنبا أو محدثا ، وقد رجع إلى أهله بعرفة ثم قتل صيدا فعليه قيمة واحدة كما في الأجناس [ ص: 49 ] ومنها إذا القارن إذا وقف فإنه يلزمه دم واحد ، ومنها أن حلق قبل أن يذبح الحرم فإنه يلزمه قيمة واحدة كالمفرد . ا هـ . القارن إذا قطع شجر
فالحاصل أن المستثنى عدة مسائل لا مسألة واحدة والتحقيق أنه لا استثناء أصلا أما مسألة الكتاب فقد قدمنا أنه استثناء منقطع ، وأما مسألة الإفاضة فإنما وجب دم بسبب ترك واجب من واجبات الحج ، وليس هو جناية على الإحرام كما قدمناه ، ولا خصوصية لهذا الواجب بل كل واجب من واجبات الحج فإنه لا تعلق للعمرة به ، وأما مسألة الطواف جنبا فإنما وجب دم واحد لترك واجب من واجبات الطواف لا للجناية على الإحرام ولهذا لو فإنه يلزمه دم ، وإن كان الدم متنوعا إلى بدنة وشاة نظرا إلى كمال الجناية وخفتها ، وأما مسألة قتل الصيد بعد الوقوف فالمذهب لزوم دمين ، وما في الأجناس ضعيف كما قدمناه ، وأما مسألة الحلق قبل الذبح فإنه لا يلزم المفرد به شيء ; لأن الذبح ليس بواجب عليه ، وهو إنما أوجبوا التعدد على القارن فيما يلزم المفرد به كفارة ، وليس على المفرد به شيء فلا يتعدد الدم على القارن ، وأما مسألة قطع شجر طاف جنبا ، وهو غير محرم الحرم فهو من باب الغرامات لا تعلق للإحرام به بخلاف الحرم إذا قتله القارن فإنه يلزمه قيمتان كما صرح به صيد الإسبيجابي وغيره ; لأنها جناية على الإحرام ، وهو متعدد كما قدمنا أن أقوى الحرمتين تستتبع أدناهما والإحرام أقوى فكان وجوب القيمة بسبب الإحرام فقط لا بسبب الحرم ، وإنما ينظر إلى الحرم إذا كان القاتل حلالا ، والله سبحانه الموفق .
وذكر في النهاية صورة يجب فيها على القارن دمان لأجل المجاوزة ، وهي ما إذا مكة فأحرم بعمرة ، ولم يعد إلى الحل محرما ، وهي غير واردة عليهم ; لأن أحد الدمين للمجاوزة ، وهو الأول والثاني لتركه ميقات العمرة ; لأنه لما دخل جاوز فأحرم بحج ثم دخل مكة التحق بأهلها ، وميقاتهم في العمرة الحل .