الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : والعرق كالسؤر ) لما فرغ من بيان فساد الماء وعدمه باعتبار وقوع نفس الحيوانات فيه ذكرهما باعتبار ما يتولد منها والسؤر مهموز العين بقية الماء التي يبقيها الشارب في الإناء أو في الحوض ثم استعير لبقية الطعام وغيره والجمع الأسآر والفعل أسأر أي أبقى مما شرب أي عرق كل شيء معتبر بسؤره طهارة ونجاسة وكراهة ; لأن السؤر مختلط باللعاب ، وهو والعرق متولدان من اللحم إذ كل واحد منهما رطوبة به متحللة من اللحم فأخذا حكمه ولا ينتقض بعرق الحمار ، فإنه طاهر مع أن سؤره مشكوك فيه ; لأنا نقول خص بركوبه صلى الله عليه وسلم الحمار معروريا والحر حر الحجاز والثقل ثقل النبوة فلا بد أن يعرق الحمار قال في المغرب فرس عري لا سرج عليه ولا لبد وجمعه أعراء ولا يقال فرس عريان كما لا يقال رجل عري وأعرورى الدابة ركبه عريا ومنه { كان عليه السلام يركب الحمار معروريا } ، وهو حال من ضمير الفاعل المستكن ، ولو كان من المفعول لقيل معروري ا هـ .

                                                                                        أو ; لأنه لا فرق بين عرقه وسؤره ، فإن سؤره طاهر على الأصح والشك إنما هو في طهوريته وقد ذكر قاضي خان في شرح الجامع الصغير ثلاث روايات في لعابه وعرقه إذا أصاب الثوب أو البدن في رواية مقدر بالدرهم وفي رواية بالكثير الفاحش وفي رواية لا يمنع وإن فحش وعليه الاعتماد وذكر شمس الأئمة الحلواني أن عرقه نجس لكن عفي عنه للضرورة فعلى هذا لو وقع في الماء القليل يفسده وهكذا روي عن أبي يوسف ا هـ .

                                                                                        وذكر الولوالجي رحمه الله أن عرق الحمار والبغل إذا أصاب الثوب لا يفسده ، ولو وقع في الماء أفسده يعني به لم يبق طهورا ; لأن عرقهما إذا وقع في الماء صار الماء مشكلا كما في لعابهما والماء المشكل طاهر لكن كونه طهورا مشكل فلا يزول الحدث [ ص: 133 ] الثابت بيقين بالشك ا هـ .

                                                                                        وهكذا في التجنيس واعلم أن تفسير الفساد بعدم الطهورية فيه نظر ; لأنه إذا كان كل من العرق واللعاب طاهرا كيف يخرج الماء به عن الطهورية مع أنه فرض قليل والماء غالب عليه فلعل الأشبه ما ذكره قاضي خان في تفسير قول شمس الأئمة أنه نجس وعفي عنه في الثوب والبدن للضرورة في الماء كما لا يخفى فالحاصل أنه لا فرق بين العرق والسؤر على ما هو المعتمد من أن كلا منهما طاهر ، وإذا أصاب الثوب أو البدن لا ينجسه ، وإذا وقع في الماء صار مشكلا ولهذا قال في المستصفى ظاهر المذهب أن العرق واللعاب مشكوك فيها ا هـ .

                                                                                        فظهر بهذا كله أن قولهم إن العرق كالسؤر على إطلاقه من غير استثناء وظهر به أيضا أن ما نقله الأتقاني في شرح البزدوي من الإجماع على طهارة عرقه فليس مما ينبغي وكأنه بناه على أنها هي التي استقر عليها الحال .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله : مع أن سؤره مشكوك فيه ) أي مشكوك في طهارته ، وهذا بناء على قول البعض ، وهو غير الأصح كما سيأتي ثم هنا بحث ، وهو أنه إن كان المراد بطهارة عرق الحمار طهارته في نفسه كما يقتضيه الجواب الأول لزم أنه لو وقع في ماء لا يصيره مشكوكا لا في طهارته ولا في طهوريته ; لأن ما وقع فيه على هذا طاهر لا شك فيه ، وهو مخالف لما سيأتي ، وإن كان المراد طهارة الماء الذي أصابه كما يقتضيه الجواب الثاني الآتي لم يصلح الجواب الأول للجوابية تأمل .

                                                                                        ( قوله : قال في المغرب : فرس عري إلخ ) الأولى الإتيان بلكن ليفيد الاستدراك على ما قبله كما فعل في النهر ، فإن مبنى الاستدلال على طهارته على أن معروريا حال من الحمار ، وأما على ما في المغرب من أنه حال من ضمير الفاعل فلا دلالة لكن في كونه حالا من الفاعل بعد لا يخفى إذ لا يبعد من حاله صلى الله عليه وسلم أن يركب ، وهو عريان وقد يقال إن المعنى أنه صلى الله عليه وسلم ركب حال كونه معروريا الحمار فهو اسم الفاعل [ ص: 133 ] من اعرورى المتعدي حذف مفعوله للعلم به ( قوله : ولهذا قال في المستصفى إلخ ) ظاهره أن الشك في العرق واللعاب نفسهما فيكون الشك في طهارتهما إذ لا طهورية فيهما إلا أن يحمل على أن المراد الماء الذي أصابه العرق واللعاب مشكوك فيه أي في طهوريته تأمل .




                                                                                        الخدمات العلمية