( قوله : ويطلبه غلوة إن ظن قربه ، وإلا لا ) أي وحد القرب ما دون الميل قيدنا به ; لأن الميل وما فوقه بعيد لا يوجب الطلب وقيدنا بالمسافر ; لأن طلب الماء في العمرانات واجب اتفاقا مطلقا وكذا لو كان بقرب منها وقد اختلفوا في مقدار الطلب فاختار يجب على المسافر طلب الماء قدر غلوة إن ظن قربه ، وإن لم يظن قربه لا يجب عليه المصنف هنا قدر غلوة ، وهي مقدار رمية سهم كما في التبيين أو ثلثمائة ذراع كما في الذخيرة والمغرب إلى أربعمائة واختار في المستصفى أنه يطلب مقدار ما يسمع صوت أصحابه ويسمع صوته ، وهو الموافق لما قال سألت أبو يوسف عن أبا حنيفة قال إن طمع فيه فليفعل ولا يبعد فيضر بأصحابه إن انتظروه وبنفسه إن انقطع عنهم ويوافقه ما صححه في البدائع فقال : والأصح أنه يطلب قدر ما لا يضر بنفسه ورفقته بالانتظار ، فكان هو المعتمد وعلى اعتبار الغلوة فالطلب أن ينظر يمينه وشماله وأمامه ووراء غلوة كذا في الحقائق وظاهره أنه لا يلزمه المشي بل يكفيه النظر في هذه الجهات ، وهو في مكانه ، وهذا إذا كان حواليه لا يستتر عنه ، فإن كان بقربه جبل صغير ونحوه صعده ونظر حواليه إن لم يخف ضررا على نفسه أو ماله الذي معه أو المخلف في رحله المسافر لا يجد الماء أيطلب عن يمين الطريق أو عن يساره
فإن خاف لم يلزمه الصعود والمشي كذا في التوشيح ولو بعث من يطلب له كفاه عن الطلب بنفسه ، وكذا لو أخبره من غير أن يرسله كذا في منية المصلي ولو تيمم من غير طلب ، وكان الطلب واجبا وصلى ثم طلبه فلم يجده وجبت عليه الإعادة عندهما خلافا كذا في السراج الوهاج وفي المستصفى وفي إيراد هذه المسألة عقيب المسألة المتقدمة لطيفة ، فإن الاختلاف في تلك المسألة بناء على اشتراط الطلب وعدمه ا هـ . لأبي يوسف
وعند يجب الطلب مطلقا لقوله تعالى { الشافعي فلم تجدوا ماء } ; لأن الوجود يقتضي سابقة الطلب ، وهي دعوى لا دليل عليها لقوله تعالى { أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم } ولا طلب وقوله تعالى { ووجدك ضالا فهدى } وقوله { فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين } وقوله { ووجدوا ما عملوا حاضرا } ولم يطلبوا خطاياهم وقوله تعالى { وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين } وقوله { فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض } ولقوله عليه السلام { } ولا طلب من الواجد ولقوله من وجد زادا وراحلة ويقال فلان وجد ماله ، وإن لم يطلبه ووجد مرضا في نفسه ولم يطلبه فقد ثبت أن الوجود يتحقق من غير طلب والله تعالى جعل شرط الجواز عدم الوجود من غير طلب فمن زاد شرط الطلب فقد زاد على النص ، وهو لا يجوز بخلاف العمرانات ; لأن العدم ، وإن ثبت حقيقة لم يثبت ظاهرا ; لأن كون الماء في العمرانات دليل ظاهر على وجود الماء ; لأن قيام العمارة بالماء فكان العدم ثابتا من وجه دون وجه من وجد لقطة فليعرفها
وشرط الجواز العدم المطلق ولا يثبت ذلك في العمرانات إلا بعد الطلب وبخلاف ما إذا غلب على ظنه قربه ; لأن غلبة الظن تعمل عمل اليقين في حق وجوب العمل ، وإن لم تعمل في حق الاعتقاد كما في التحري في القبلة وكما في دفع الزكاة [ ص: 170 ] لمن غلب على ظنه فقره وكما إذا غلب على ظنه نجاسة الماء أو طهارته ، وأما إذا لم يغلب على ظنه قربه فلا يجب بل يستحب إذا كان على طمع من وجود الماء كذا في البدائع وظاهره أنه إذا لم يطمع لا يستحب له الطلب وعلل له في المبسوط بأنه لا فائدة فيه إذا لم يكن على رجاء منه وبما تقرر علم أن المراد بالظن غالبه ، والفرق بينهما على ما حققه اللامشي في أصوله أن أحد الطرفين إذا قوي وترجح على الآخر ، ولم يأخذ القلب ما ترجح به ، ولم يطرح الآخر فهو الظن ، وإذا عقد القلب على أحدهما وترك الآخر فهو أكبر الظن وغالب الرأي ا هـ .
وغلبة الظن هنا أما بأن وجد إمارة ظاهرة أو أخبره مخبر كذا أطلقه في الوشيح وقيده في البدائع بالعدل
[ ص: 169 ]