الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله وصفته ما نطق به النص ) أي : صفة اللعان ما دلت عليه آية اللعان من الابتداء بالزوج ثم بالزوجة بالألفاظ المخصوصة وظاهره أنه متعين وقدمنا أن المرأة لو بدأت ثم الزوج أعادت ، ولو فرق القاضي قبل إعادتها صح ، وفي الغاية تجب الإعادة وقد أخطأ السنة ورجحه في فتح القدير بأنه الوجه وهو قول مالك ; لأن النص أعقب الرمي بشهادة أحدهم وشهادتها الدارئة للحد عنها بقوله ويدرأ عنها العذاب ولأن الفاء دخلت على شهادته على وزان ما قلنا في سقوط الترتيب في الوضوء من أنه أعقب جملة الأفعال للقيام إلى الصلاة وإن كان دخول الفاء على غسل الوجه فانظره ثمة ا هـ .

                                                                                        والظاهر أنه أراد بالصفة الركن كقولهم باب صفة الصلاة أي : ماهيتها فيكون بيانا للشهادات الأربع وإنما أولناه بذلك ; لأن صفته على وجه السنة لم ينطق به النص وإنما ورد في السنة فالذي نقله المشايخ أن القاضي يقيمهما متقابلين ويقول له التعن فيقول الزوج أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا ، ويقول في الخامسة لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيما رماها به من الزنا يشير إليها في كل مرة ثم تقول المرأة أربع مرات أشهد بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا وتقول في الخامسة غضب الله عليها إن كان من الصادقين فيما رماني به من الزنا وإنما ذكر الغضب في جانبها في الخامسة [ ص: 127 ] لأنهن يستعملن اللعن كثيرا كما في الحديث يكثرن اللعن فكان الغضب أردع لها هكذا ذكر المشايخ وذكرالبقاعي في المناسبات أن الغضب أبلغ من اللعن الذي هو الطرد ; لأنه قد يكون بسبب غير الغضب وسبب التغليظ عليها الحث على اعترافها بالحق لما يعضد الزوج من القرينة من أنه لا يتجشم فضيحة أهله المستلزم لفضيحته ألا وهو صادق ولأنها مادة الفساد وهاتكة الحجاب وخالطة الأنساب ا هـ .

                                                                                        وفي رواية الحسن إنه لا بد أن يقول إني لمن الصادقين فيما رميتك به من الزنا وهي تقول إنك لمن الكاذبين فيما رميتني به من الزنا بالخطاب ; لأن في الغيبة شبهة واحتمالا ، وفي ظاهر الرواية لم يعتبر هذا ; لأن كل واحد منهما يشير إلى صاحبه والإشارة أبلغ أسباب التعريف كذا في الكافي .

                                                                                        هذا كله إذا كان القذف بالزنا وإن كان بنفي الولد ذكراه وإن كان بهما ذكراهما وزاد بعضهم بعد القسم الذي لا إله إلا هو والقيام ليس بشرط ; لأنه إما شهادة وإما يمين والقيام ليس بشرط فيهما إلا أنه مندوب إليه { لقوله صلى الله عليه وسلم يا عاصم قم فاشهد وللمرأة قومي فاشهدي } ولأن الحدود مبناها على الشهر فإن قلت هل يشرع الدعاء باللعن على الكاذب المعين قلت قال في غاية البيان من العدة وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال من شاء باهلته أن سورة النساء القصرى نزلت بعد التي في سورة البقرة أي : من شاء المباهلة أي : الملاعنة باهلته وكانوا يقولون إذا اختلفوا في شيء بهلة الله على الكاذب منا قالوا هي مشروعة في زماننا أيضا ا هـ .

                                                                                        وقد سئلت في درس الصرغتمشية حين قرأت باب اللعان من الهداية أنهما لو تلاعنا ثم وجد الزوج بينة على صدقه هل تقبل فأجبت بأني لم أر فيها نقلا وينبغي أن لا تقبل ; لأن القذف أخذ موجبه من اللعان وكأنها حدت للزنا فلا تحد ثانيا إلا أن يوجد نقل فيجب اتباعه

                                                                                        . ( قوله فإن التعنا بانت بتفريق الحاكم ولا تبين قبله ) أي : الحاكم الذي وقع اللعان عنده حتى لو لم يفرق الحاكم حتى عزل أو مات فالحاكم الثاني يستقبل اللعان عندهما خلافا لمحمد كذا في الاختيار وأفاد أنه لو مات أحدهما قبل التفريق ورثه الآخر ، وأنه لو زالت أهلية اللعان في الحال بما لا يرجى زواله بأن أكذب نفسه أو قذف أحدهما إنسانا فحد للقذف أو وطئت وطئا حراما أو خرس أحدهما لم يفرق بينهما بخلاف ما إذا جن قبل التفريق حيث يفرق بينهما ; لأنه يرجى عود الإحصان وأنه لو ظاهر منها في هذه الحالة أو طلقها أو آلى منها صح لبقاء النكاح وأشار إلى أن القاضي يفرق بينهما ، ولو لم يرضيا بالفرقة كما في شرح النقاية ، وفي التتارخانية .

                                                                                        ولو تلاعنا فجن أحدهما يفرق ، ولو تلاعنا فوكل أحدهما بالتفريق وغاب يفرق ، ولو زنت لا يفرق لزوال الإحصان وإنما توقفت البينونة على التفريق ; لأنه لما حرم الاستمتاع بينهما باللعان فات الإمساك بالمعروف فوجب عليه التسريح وإذا لم يسرح ناب القاضي منابه ; لأنه نصب لدفع الظلم ويدل عليه أنه { عليه الصلاة والسلام لاعن بين عويمر وبين امرأته فقال عويمر كذبت عليها إن أمسكتها هي طالق ثلاثا فأوقع الثلاث بعد التلاعن ولم ينكر عليه صلى الله عليه وسلم } ، وكذا في واقعة هلال قال الراوي فلما فرغ فرق النبي صلى الله عليه وسلم بينهما فدل على قيام النكاح قبل التفريق وهي تطليقة بائنة وهو خاطب إذا أكذب نفسه عندهما وعند أبي يوسف هي حرمة [ ص: 128 ] مؤبدة كما سيأتي ، وفي شرح النقاية ، وأما قول البيهقي في المعرفة أن عويمرا حين طلقها ثلاثا كان جاهلا بأن اللعان فرقة فصار كمن شرط الضمان في السلف وهو يلزمه شرط أو لم يشرط بخلاف المظاهر ا هـ .

                                                                                        والجواب : أن الاستدلال إنما هو بعدم إنكاره عليه السلام عليه لا بمجرد فعله كما لا يخفى ويقع في بعض الشروح زيادة الفاء في قوله هي طالق ثلاثا وهي من النساخ ; لأن الواقع أن عويمرا نجز طلاقها لا أنه علقه بالإمساك ، وفي التتارخانية

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله : وفي الغاية تجب الإعادة ) الذي في الفتح عن الغاية لا تجب الإعادة وهو الذي يقتضيه سياق كلام المؤلف ( قوله وإنما أولناه بذلك إلخ ) فسر النص في النهر بقوله أي : نص الشارع فعم الكتاب والسنة ثم قال وبه استغنى عما في البحر الظاهر إن أراد إلخ [ ص: 127 ] ( قوله هل يشرع الدعاء باللعن على الكاذب إلخ ) أقول : مقتضى مشروعية اللعان جوازه فإن قول القاذف لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيه الدعاء باللعن على نفسه وكونه معلقا على تقدير الكذب لا يخرجه عن كونه معينا تأمل ( قوله وينبغي أن لا تقبل ; لأن القذف أخذ موجبه إلخ ) قال المقدسي في شرحه هذا منقوض بما إذا أكذب نفسه بعد اللعان فإنه أخذ موجبه من اللعان وكأنه حد فلا يحد مع أن الحكم أنه يحد فإن قيل : قد وقع نسبته إياها إلى الزنا في شهادته عند الحاكم فإذا أكذب نفسه يحد لذلك قلت هذا ضمني لا قصدي ومثله لا يوجب وكيف نقول بإيجابه الحد مع أنه مأمور به من الشارع صلى الله عليه وسلم بقوله { قم فاشهد } .

                                                                                        وذكروا أن من قال فلان قال عنك إنك زنيت لم يحد ; لأنه لم ينسبه إلى الزنا قصدا قلت فينبغي أن تقبل ويترتب عليه فائدة حل نكاحها قال في خزانة الأكمل إذا رجع المتلاعنان إلى حال لا يتلاعنان فيه جاز أن يتزوجها والله سبحانه وتعالى أعلم ا هـ .

                                                                                        ومثله في النهر حيث قال : ولقائل أن يقول لم لا يجوز أن يقبل ليترتب عليه حل نكاحها له وقد علل في الهداية حل نكاحها فيما إذا كذب نفسه فحد بأنه لما حد لم يبق أهلا للعان فارتفع بحكمه المنوط به وهو التحريم ، وهذا يتأتى هنا فإنه إذا ثبت أنها غير عفيفة لم يبق أهلا للعان فارتفع حكمه فتدبره ( قوله وهو خاطب إذا أكذب نفسه عندهما ) هذه عبارة الهداية قال في الفتح يعني إذا أكذب نفسه بعد اللعان والتفريق وحد [ ص: 128 ] أو لم يحد صار خاطبا من الخطاب يحل له تزوجها خلافا لأبي يوسف ، ولو أكذب نفسه بعد اللعان قبل التفريق حلت له من غير تجديد عقد النكاح كذا في الغاية .




                                                                                        الخدمات العلمية