الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : ولو قال إن كان أول ولد تلدينه ذكرا فأنت حرة فولدت ذكرا وأنثى ولم يدر الأول رق الذكر وعتق نصف الأم والأنثى ) لأن كل واحد منهما يعتق في حال دون حال وهو ما إذا ولدت الغلام أولا عتقت الأم بالشرط والجارية لكونها تبعا لها ; لأن الأم حرة حين ولدتها وترق في حال وهو ما إذا ولدت الجارية أولا لعدم الشرط فيعتق نصف كل واحدة وتسعى في النصف أما الغلام فيرق في الحالين فلهذا يكون عبدا ، وهذا الجواب كما ترى في الجامع الصغير من غير خلاف فيه ، والمذكور لمحمد في الكيسانيات في هذه المسألة أنه لا يحكم بعتق واحد منهم ; لأنا لم نتيقن بعتق واعتبار الأحوال بعد التيقن بالحرية ولا يجوز إيقاع العتق بالشك فعن هذا حكم الطحاوي بأن محمدا كان أولا مع أبي حنيفة وأبي يوسف ، ثم رجع وفي النهاية عن المبسوط أن هذا الجواب ليس جواب هذا الفصل ، بل في هذا الفصل لا يحكم بعتق واحد ، ولكن يحلف المولى بالله ما يعلم أنها ولدت الجارية أولا فإن نكل فنكوله كإقراره وإن حلف فكلهم أرقاء ، أما جواب هذا الفصل إنما هو فيما إذا قال إن كان أول ولد تلدينه غلاما فأنت حرة وإن كانت جارية فهي حرة فولدتهما ولا يدري الأول فالغلام رقيق والأنثى حرة ويعتق نصف الأم ولا شك أن هذا ليس جواب الكتاب ; لأن في هذه الصورة يعتق جميع الجارية على كل حال ; لأنها إن ولدت الجارية أولا عتقت بالشرط وإن ولدت الغلام أولا عتقت تبعا للأم ، أما انتصاف عتق الأم فلأنها تعتق في ولادة الغلام أولا وترق في الجارية ، وجواب الكتاب عتق نصفها مع نصف الأم وصحح في النهاية ما في الكيسانيات ; لأن الشرط الذي لم يتيقن وجوده إذا كان في طرف واحد كان القول قول من أنكر وجوده كما إذا قال إن دخلت الدار غدا فأنت حر فمضى الغد ولا يدري أدخل الدار أم لا للشك في شرط العتق فكذا وقع الشك في شرط العتق وهو ولادة الغلام أولا .

                                                                                        أما إذا كان الشرط مذكورا في طرفي الوجود والعدم كان أحدهما موجودا لا محالة فحينئذ يحتاج إلى اعتبار الأحوال فإن قلت : المفروض في مسألة الكتاب تصادقهم على عدم علم المتقدم والمتأخر فكيف يحلف ولا دعوى ولا منازع قلت : هو محمول على دعوى من خارج حسبة عتق الأمة أو بنتها لوجود الشرط ، وقد عرف أن الأمة لو أنكرت العتق وشهد به يقبل فعلى هذا جاز أن يدعي رجل حسبة إذا [ ص: 271 ] لم تكن بينة ليحلف لرجاء نكوله هذا ، ولكن المذكور في المبسوط في تعليله صرح بأن الأم تدعي العتق والمولى ينكر والقول للمنكر مع يمينه فأفاد أن ذلك في صورة دعوى الأم وهي غير هذه الصورة التي في الكتاب واعلم أن ما ذكر في النهاية من ترجيح ما في الكيسانيات حقيقته إبطال قول أبي حنيفة وأبي يوسف مع أنه لم يرو عنهما رواية شاذة تخالف ذلك في الجواب واستدلاله بأن الشرط الكائن في طرف واحد إلى آخره قد ينظر فيه بأن ذلك في الشرط الظاهر لا الخفي .

                                                                                        ولذا قيد في المبسوط حيث قال إذا قال إن فعلت كذا فأنت حر وذلك من الأمور الظاهرة كالصوم والصلاة ودخول الدار فقال العبد فعلت لا يصدق إلا ببينة بخلاف قوله إن كنت تحبيني إلى آخره فيمكن أن تكون الولادة من الأمور التي ليست ظاهرة فيوجب الشك فيها اعتبار الأحوال فيعتق نصف الأم كما في الجامع والله أعلم ، كذا في فتح القدير وفيه نظر ; لأن جعل الولادة من الأمور الخفية كمحبة القلب لا يصح ; لأن المراد بالأمور الظاهرة ما يمكن اطلاع الغير عليها والمراد بالخفية ما لا يمكن اطلاع الغير عليه ولا شك أن الولادة مما يمكن الاطلاع عليها ولذا اتفقوا أنه لا يقبل قول المرأة في الولادة ، ولو كانت كالمحبة لقبل قولها وإنما اختلفوا هل يكتفى بشهادة المرأة أو لا بد من شهادة رجلين أو رجل وامرأتين كما قدمناه فالحق أن المسألة مشكلة ; لأنها لا توافق الأصول ولا يمكن الحكم بإبطال هذا الجواب كما في النهاية ; لأن جوابها نص الجامع الصغير ، ولولا ذلك لتعين القول بما في النهاية ، وقد ظهر للعبد الضعيف أن مشايخنا يعتبرون الأحوال عند تعدد الشرط ، وعند التعليق بشرط واحد له جزءان كمسألتنا .

                                                                                        ( قوله : فإن العتق معلق على شرط له جزءان ) أحدهما ولادة الغلام وثانيهما كونه أول ففي كل منهما إذا تحقق وجود البعض ووقع التردد في تعيينه فحينئذ تعتبر الأحوال فإن في مسألتنا تحقق ولادة الغلام لكن لم يدر أنه أول بخلاف التعليق بدخول الدار ونحوه فإن الشرط شيء واحد ولم يتحقق وجوده فلا تعتبر الأحوال فالحاصل أن الشرط إذا كان مركبا من جزأين فهو كالتعليق بشرطين وبهذا التقدير يصح ما في الجامع الصغير وتتوافق الفروع مع الأصول كما لا يخفى والمراد بعدم علم الأول تصادقهم على عدم معرفة الأول وقيد به ; لأنهم لو اتفقوا على أن ولادة الغلام أولا أو اتفقوا على أن ولادة الجارية أولا فلا يعتق أحد في الثاني ويعتق كل الأم والجارية في الأول فهي ثلاثة والرابعة لو اختلفا فادعت الأم ولادة الغلام أولا وأنكر المولى والجارية صغيرة فالقول قول المولى ; لأنه ينكر شرط العتق ويحلف على العلم ; لأنه فعل الغير فإن حلف لم يعتق واحد منهما إلا أن تقيم البينة بعد ذلك وإن نكل عتقت الأم والبنت ; لأن دعوى الأم حرية الصغير معتبرة ; لأنها نفع محض ولها عليها ولاية لا سيما إذا لم يعرف لها أب ، الخامسة أن تدعي الأم بأن الغلام هو الأول ولم تدع البنت وهي كبيرة فإنه يحلف المولى فإن حلف لم يعتق واحد منهم وإن نكل عتقت الأم دون البنت ; لأن النكول حجة ضرورية فلا تتعدى ولا ضرورة في غير المدعية هكذا ذكروا ، وهذا يشير إلى أنها لو أقامت البينة تتعدى ، السادسة أن تدعي البنت وهي كبيرة أن الغلام هو الأول ولم تدع الأم فتعتق البنت إذا نكل دون الأم لما ذكرنا .

                                                                                        وقيد بكون الشرط واحدا ; لأنه لو كان متعددا فهو على وجوه الأول لو قال إن كان أول ولد تلدينه غلاما فأنت حرة وإن كان جارية فهي حرة فولدتهما فإن علم أنه أولا عتق الأم والجارية لا غير وإن علم أن الجارية هي الأولى عتقت لا غير وإن لم يعلم فالجارية حرة على كل حال والغلام عبد على كل حال ويعتق نصف الأم وتسعى في نصف قيمتها وإن اختلفا فالقول قول المولى ، الثاني لو قال إن كان أول ولد تلدينه غلاما [ ص: 272 ] فهو حر وإن كانت جارية فأنت حرة فولدتهما فإن علم أنه الأول عتق هو لا غير ، وإن علم أنها أولا عتقت الأم والغلام لا غير ، وإن لم يعلم فالغلام حر على كل حال والجارية رقيقة على كل حال ويعتق نصف الأم ، الثالث أن تلد غلامين وجاريتين والمسألة بحالها فإن علم أن الأول ذكر عتق هو لا غير ، وإن علم أنه جارية فهي رقيقة ومن سواها أحرار وإن لم يعلم الأول يعتق من الغلامين من كل واحد منهما ثلاثة أرباعه ويسعى في ربع قيمته ويعتق من الأم نصفها ويعتق من البنيتين من كل واحدة ربعها ، الرابع لو قال إذا ولدت غلاما ، ثم جارية فأنت حرة وإن ولدت جارية ، ثم غلاما فالغلام حر فولدتهما فإن كان الغلام أولا عتقت الأم ، والغلام والجارية رقيقان ، وإن كانت الجارية أولا عتق الغلام ، والأم والجارية رقيقان ، وإن لم يعلم الأول باتفاقهما فالجارية رقيقة .

                                                                                        أما الغلام والأم فإنه يعتق من كل واحد منهما نصفه وإن اختلفا فالقول قول المولى مع يمينه ، الخامس لو ولدت غلامين وجاريتين والمسألة بحالها فإن ولدت غلامين ، ثم جاريتين عتقت الأم وعتقت الجارية الثانية بعتقها وبقي الغلامان والجارية الأولى رقيقا ، وإن ولدت غلاما ، ثم جاريتين ، ثم غلاما عتقت الأم والجارية الثانية والغلام الثاني بعتق الأم ، وإن ولدت جاريتين ، ثم غلامين عتق الغلام الأول وبقي من سواه رقيقا ، وكذا إذا ولدت جارية ، ثم غلامين ، ثم جارية عتق الغلام الأول لا غير ، وكذا إذا ولدت جارية ، ثم غلاما ، ثم جارية ، ثم غلاما عتق الغلام الأول وإن لم يعلم باتفاقهم يعتق من الأولاد من كل واحد ربعه ويعتق من الأم نصفها وإن اختلفوا فالقول قول المولى مع يمينه كذا في البدائع بحذف التعليل .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله : ما يعلم أنها ولدت الجارية أو لا ) كذا في عامة النسخ وهكذا رأيته في الفتح وفي بعض النسخ مصلحا بإبدال الجارية بالغلام وهو ظاهر [ ص: 271 ]

                                                                                        ( قوله : ولا شك أن الولادة مما يمكن الاطلاع عليها ) قال في النهر لا يخفى أنه ليس المراد بالولادة مطلقها بل التي الكلام فيها وهو كون الغلام أولا وهذا مع ولادتهما في حمل واحد مما يخفى غالبا .

                                                                                        ( قوله : فالحاصل أن الشرط إذا كان مركبا إلخ ) تتوقف صحة هذا التعميم على صحة هذا الحكم في قوله لعبده إن دخلت الدار قبل زيد فأنت حر ، ووجد الدخول ولم تدر القبلية فإن مقتضى ما ذكره اعتبار الأحوال مع أن الرق ثابت بيقين ووقع الشك في زواله لعدم العلم بوقوع الجزء الآخر تأمل .




                                                                                        الخدمات العلمية