الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : لو شهدا أنه حرر أحد عبديه أو أمتيه لغت إلا أن تكون في وصية أو طلاق مبهم ) وهذا عند الإمام ، وقالا الشهادة مقبولة ويؤمر بأن يوقع العتق على أحدهما قياسا على ما إذا شهدا أنه طلق إحدى نسائه فإنها جائزة ويجبر على أن يطلق إحداهن بالإجماع وهو المراد بقوله أو طلاق مبهم وهو استثناء منقطع ; لأن صدر الكلام لم يتناول آخره وفرق الإمام بينهما أما في عتق العبد فالفرق أن الشهادة على عتق العبد لم تقبل من غير دعوى العبد ولم يتحقق هنا ; لأن الدعوى من المجهول لا تتحقق فلا تقبل الشهادة ، وعندهما لما لم تكن دعواه شرطا قبلت أما في الطلاق فعدم الدعوى لا يوجب خللا في الشهادة ; لأنها ليست بشرط فيه ، أما في عتق الأمة فإنها لا تقبل عنده وإن كانت الدعوى ليست شرطا فيه ; لأنه إنما لم تشترط الدعوى لما أنه يتضمن تحريم الفرج فشابه الطلاق لكن العتق المبهم لا يوجب تحريم الفرج عنده على ما ذكرنا فصار كالشهادة على عتق أحد العبدين والمراد بقوله إلا أن يكون في وصية أنهما شهدا أنه أعتقه في مرض موته فإن القياس أن لا تقبل لما ذكرنا والاستحسان قبولها ; لأن العتق في المرض وصية والخصم معلوم وهو الموصي وله خلف وهو الوصي أو الوارث فتتحقق الدعوى من الخلف ; ولأن العتق يشيع بالموت فيهما فصار كل واحد منهما معينا ، وكذا لو شهدا على تدبير أحدهما سواء كان في صحته أو مرضه ; لأنه وصية ، ولو في الصحة وأطلق المصنف في شهادتهما بعتق أحد العبدين فشمل ما إذا كانت الشهادة بعد موت المولى وهو قول البعض ; لأن العتق في الصحة ليس بوصية فلا تقبل شهادتهما .

                                                                                        والأصح قبولها اعتبارا للشيوع لما عرف أن الحكم إذا علل بعلتين لا ينتفي بانتفاء أحدهما فكان ينبغي للمصنف أن يقول في حياته كما لا يخفى لكن قال في فتح القدير ولقائل أن يقول شيوع العتق الذي هو مبني على صحة كون العبدين مدعيين يتوقف على ثبوت قوله أحدكما حر ولا مثبت له إلا الشهادة وصحتها متوقفة على الدعوى الصحيحة من الخصم فصار ثبوت شيوع العتق متوقفا على ثبوت الشهادة فلو أثبتت الشهادة بصحة خصومتها وهي متوقفة على ثبوت العتق فيهما شائعا لزم الدور ، وإذا لم يتم وجه [ ص: 273 ] ثبوت هذه الشهادة على قوله لزم ترجيح القول بعدم قبولها وعلى هذا يبطل الوجه الثاني من وجهي الاستحسان في المسألة التي قبل هذه ا هـ .

                                                                                        أقول : إن هذا من العجب العجاب من هذا المحقق ; لأن صحة كونهما مدعيين لا يتوقف على الثبوت إذ يلزم مثله في كل دعوى بأن يقال صحة كونه مدعيا متوقفة على ثبوت قوله وثبوت قوله متوقف على تقدم الدعوى الصحيحة وإنما صحة الدعوى متوقفة على كون المدعى معلوما مع بقية الشرائط فإذا كان المولى حيا لم يدع كل منهما عتق نفسه لجهالة المعتق فلم تسمع الشهادة لعدم تقدم الدعوى ، وإذا مات المولى شاع العتق فجاز لكل واحد منهما أن يدعي أن نصفه حر فإذا ادعى ذلك سمعت دعواه وقبل برهانه فقد ظهر صحة الوجه الثاني وبطلان قول من زعم بطلانه ولهذا صحح القول المذكور فخر الإسلام والمصنف في الكافي وارتضاه الشارحون والله هو الموفق للصواب ، وشمل إطلاق المصنف ما إذا كان العبدان يدعيان العتق أو أحدهما كما في البدائع .

                                                                                        وأشار المصنف إلى أنهما لو شهدا أنه حرر أمة بعينها وسماها فنسيا اسمها لا تقبل ; لأنهما لم يشهدا بما تحملاه وهو عتق معلومة ، بل مجهولة ، وكذا الشهادة على طلاق إحدى زوجتيه وسماها فنسياها ، وعند زفر تقبل ويجبر على البيان ويجب أن يكون قولهما كقول زفر في هذا ; لأنها كشهادتهما على عتق إحدى أمتيه وطلاق إحدى زوجتيه كذا في فتح القدير وإلى أنه لو شهدا أنه أعتق عبده سالما وله عبد أن كل واحد اسمه سالم والمولى يجحد لم يعتق واحد منهما في قول أبي حنيفة ; لأنه لا بد من الدعوى لقبول هذه الشهادة عنده ولا يتحقق هنا من المشهود له ; لأنه غير معين منهما فصارت كمسألة الكتاب الخلافية بخلاف ما لو كان له عبد واحد اسمه سالم وشهدا أنه أعتق عبده سالما ولا يعرفونه فإنه يعتق ; لأنه كان متعينا لما أوجبه وكون الشهود لا يعرفون عين المسمى لا يمنع قبول شهادتهم كما أن القاضي يقضي بالعتق بهذه الشهادة وهو لا يعرف العبد بخلاف ما لو شهدوا ببيعه كذا في فتح القدير وذكر فروعا أخرى هنا تناسب الشهادات أخرنا ذكرها إليها والفرق بين البيع والإعتاق أن البيع لا يحتمل الجهلة أصلا والعتق يحتمل ضربا منها ألا ترى أنه لا يجوز بيع إحدى العبدين ويجوز عتق أحدهما كذا في البدائع والله أعلم

                                                                                        [ ص: 272 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 272 ] . ( قوله : وهو استثناء منقطع إلخ ) قال في النهر استثناء متصل يعني لغت الشهادة في كل الأحوال إلا في هاتين الحالتين وما في البحر من أنه منقطع ففيه نظر لا يخفى ا هـ .

                                                                                        قلت : وفيه نظر لا يخفى فإنه وإن صح في الأولى لا يصح في الثانية [ ص: 273 ]

                                                                                        ( قوله : إذ يلزم مثله في كل دعوى إلخ ) قال في النهر لزوم مثله في كل دعوى ممنوع إذ الكلام في ثبوت صحة الدعوى عليه وهو كون المدعي خصما معلوما كما اعترف به وهو موقوف على الشهادة ولا وجود لهذا المعنى في كل دعوى نعم يمكن أن يقال لا نسلم توقف الشيوع على ثبوت قوله أحدهما بل على صدوره منه فإذا ادعياه أو أحدهما فقد ادعى كل واحد أنه عتق نصفه فإذا برهن على ذلك قبل برهانه ا هـ . فليتأمل .




                                                                                        الخدمات العلمية