( قوله : لا يخرج أو لا يذهب إلى مكة فخرج يريدها ثم رجع يحنث ، وفي لا يأتيها لا ) أي لا يحنث والفرق بين الخروج والإتيان أن الخروج على قصد مكة قد وجد [ ص: 337 ] وهو الشرط إذ الخروج هو الانفصال من الداخل إلى الخارج ، وأما الإتيان فعبارة عن الوصول قال الله تعالى { فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين } واختلف في الذهاب فقيل هو كالإتيان ، وقيل كالخروج ، وهو الأصح ; لأنه عبارة عن الزوال أطلق في الحنث بالخروج ، وهو مقيد بما إذا جاوز عمران مصره على قصدها فلو خرج قاصدا مكة ، ولم يجاوز عمرانه لا يحنث كما في الظهيرية وغيرها كأنه ضمن لفظ أخرج معنى أسافر للعلم بأن المضي إليها سفر لكن على هذا لو لم يكن بينها وبينه مدة سفر ينبغي أن يحنث بمجرد انفصاله من الداخل كما في فتح القدير ، وفي المحيط بغداد اليوم فخرج من باب داره يريد بغداد ثم بدا له فرجع لا يحنث ما لم يجاوز عمران مصره بهذه النية بخلاف ما إذا حلف لا يخرج إلى جنازة فلان والمسألة بحالها يحنث ، والفرق أن الخروج إلى حلف لا يخرج إلى بغداد سفر والمرء لا يعد مسافرا ما لم يجاوز عمران مصره ، ولا كذلك في الخروج إلى الجنازة ، ولو كان في منزل من داره في المسألة الثانية فخرج إلى صحن الدار ثم رجع لا يحنث ما لم يخرج من باب الدار ; لأنه لا يعد خارجا في جنازة فلان ما دام في داره كما لا يعد خارجا إلى بغداد ما دام في مصره فاستوت المسألتان معنى . ا هـ .
وفي البدائع قال عمر بن أسد سألت عن رجل حلف ليخرجن من محمدا الرقة ما الخروج قال إذا جعل البيوت خلف ظهره ; لأن من حصل في هذه المواضع جاز له القصر . ا هـ .
فالحاصل أن الخروج إن كان من البلد فلا يحنث حتى يجاوز عمران مصره سواء كان إلى مقصده مدة سفر أو لا ، وإن لم يكن خروجا من البلد فلا يشترط مجاوزة العمران .
وأشار المصنف إلى أنه لو مكة ماشيا فخرج من أبيات المصر ماشيا يريد به مكة ثم ركب حنث ، ولو خرج راكبا ثم نزل فمشى لا يحنث كذا في الظهيرية ، وفيها أيضا رجل حلف أن لا يخرج إلى مكة إذا خرج مع فلان حتى جاوز البيوت وصار بحيث يباح له قصر الصلاة بر في يمينه ، وإن بدا له أن يرجع رجع من غير ضرر ، ولو قال والله لأخرجن مع فلان العام إلى بغداد فخرج مع جنازة والمقابر خارجة من بغداد يحنث ، ولو حلف أن لا يخرج من فإن كان سبب اليمين خروج الانتقال أو السفر لا تطلق . ا هـ . قال لامرأته إن خرجت من هاهنا اليوم فإن رجعت إلى سنة فأنت طالق ثلاثا فخرجت اليوم إلى الصلاة أو غيرها ثم رجعت
وفي القنية انتقل الزوجان من الرستاق إلى قرية فلحقه رب الديون فقال لها اخرجي معي إلى حيث كنا فيه فأبت إلى الجمعة فقال إن لم تخرجي معي فكذا فإن كان قد تأهب للخروج فهو على الفور ، وإلا فلا ، وإن خرجت معه في الحال إلى درب القرية ثم رجعت بر في يمينه ، وإن أراد زوجها الخروج أصلا . ا هـ .
وفي المحيط ولو الري إلى الكوفة فخرج من الري يريد مكة وجعل طريقه إلى الكوفة ينظر إن كان حيث خرج نوى أن يمر حلف لا يخرج من بالكوفة حنث ، وإن نوى أن لا يمر بالكوفة ثم بدا له بعدما خرج فصار إلى موضع آخر تقصر فيه الصلاة فقصد أن يمر بالكوفة لا يحنث . ا هـ .
ثم في الخروج والذهاب تشترط النية عند الانفصال للحنث كما قدمناه ، وفي الإتيان لا يشترط بل إذا وصل إليها يحنث نوى أو لم ينو ; لأن الخروج متنوع يحتمل الخروج إليها ، وإلى غيرها ، وكذا الذهاب فلا بد من النية عند ذلك كالخروج إلى الجنازة بخلاف الإتيان ; لأن الوصول غير متنوع ، وفي المحيط ليأتينه فأتاه فلم يأذن له لا يحنث .
وفي الذخيرة إذا لا يحنث هكذا ذكر في المنتقى ، وعلله فقال ; لأنها ما أتت العرس بل العرس أتاها ، ولو حلف لا يأتي فلانا فهو على أن يأتي منزله أو حانوته لقيه أو لم يلقه ، وإن أتى مسجده لم يحنث رواه حلف الرجل أن لا تأتي امرأته عرس فلان فذهبت قبل العرس ، وكانت ثمة حتى مضى العرس إبراهيم عن ، وفي المنتقى محمد لا يبر حتى يأتي منزله فإن كان لزمه في منزله فحلف [ ص: 338 ] ليأتينه غدا فتحول الطالب من منزله فأتى الحالف المنزل الذي كان فيه الطالب فلم يجده لا يبر حتى يأتي المنزل الذي تحول إليه ، ولو رجل لزم رجلا وحلف الملتزم ليأتينه غدا فأتاه في الموضع الذي لزمه فيه فقد بر إنما هذا على إتيان ذلك الموضع ، وهذا بخلاف ما إذا قال إن لم أوفك غدا في موضع كذا فأتى الحالف ذلك الموضع فلم يجده حيث يحنث ; لأن هذا على أن يجتمعا . ا هـ . قال إن لم آتك غدا في موضع كذا فعبدي حر فأتاه فلم يجده
وقيد بالإتيان ; لأن العيادة والزيارة لا يشترط فيهما الوصول ، ولذا قال في الذخيرة إذا لا يحنث ، وإن أتى بابه ، ولم يستأذن حنث قال في المحيط ، وعلى قياس من قال إن لم أخرج من هذا المنزل اليوم فمنع أو قيد حنث فيجب أن يحنث هنا في الوجهين ، وهو المختار لمشايخنا . ا هـ . حلف ليعودن فلانا أو ليزورنه فأتى بابه فلم يؤذن له فرجع ، ولم يصل إليه
ولو لا يحنث ; لأنه قد أرسل ، وكذا إذا قال إن لم أرسل إليك نفقتك هذا الشهر فأنت طالق فأرسل بها على يد إنسان وضاعت من يد الرسول قال إن كان مراده وصول عين المتاع إليه لا يحنث ، وإن كان غرضه أن تحمل بنفسها يحنث ، ولو قال إن لم أبعث إليك نفقة هذا الشهر ، ولو قال إن لم تجيئيني غدا بمتاع كذا فأنت طالق فبعثت به مع إنسان لا تطلق امرأته هكذا حكي عن قال الرجل لأصحابه إن لم أذهب بكم الليلة إلى منزلي فامرأته طالق فذهب بهم بعض الطريق فأخذهم العسس فحبسهم الفقيه أبي جعفر قال هذا الجواب يوافق قولهما في مسألة الكوز ، وقد مر في أول النوع اختيار الفقيه أبو الليث الصدر الشهيد في جنس هذه المسائل بخلاف هذا . ا هـ . ما في الذخيرة .
ولم أر من صرح بلفظ الرواح من أئمتنا ، وهو كثير الوقوع في كلام المصريين ، وفي أيمانهم لكن قال الأزهري لغة العرب أن الرواح الذهاب سواء كان أول الليل أو آخره أو في الليل قال النووي في شرح من كتاب الجمعة بعد نقله ، وهذا هو الصواب . ا هـ . مسلم
فعلى هذا إذا حلف لا يروح إلى كذا فهو بمعنى لا يذهب ، وهو بمعنى الخروج يحنث بالخروج عن قصده وصل أو لا .
[ ص: 338 ]