( قوله : لا تخرجي إلا بإذني شرط لكل خروج إذن بخلاف إلا أن وحتى ) أي بخلاف انتهت اليمين حتى لو خرجت بإذنه ثم خرجت بعده بغير إذنه لا يحنث والفرق في الأول أن المستثنى خروج مقرون بالإذن ; لأنه مفرغ للمتعلق فصار المعنى إلا خروجا ملصقا به فما لم يكن ملصقا بالإذن فهو داخل في اليمين لعموم النكرة فيحنث به ، وفي الثاني الإذن غاية أما في حتى فظاهر ، وأما في إلا أن فتجوز بإلا فيها لتعذر استثناء الإذن من الخروج وبالمرة يتحقق فينتهي المحلوف عليه ، وأما لزوم تكرار الإذن في دخول بيوته عليه السلام مع تلك الصيغة { لا تخرجي إلا أن آذن لك أو حتى أن آذن لك فأذن لها مرة إلا أن يؤذن لكم } فبدليل خارجي ، وهو تعليله بالأذى { إن ذلكم كان يؤذي النبي } وتمامه في الأصول في بحث الباء ، ولا يرد أن إلا أن آذن بمعنى إلا بإذني ; لأن أن والفعل في تأويل المصدر ، ولا بد من تقدير الباء ، وإلا صار المعنى إلا خروجا إذني فصار كالمسألة الأولى ; لأنه يلزم أحد الأمرين أما ما ذكر من تقدير الباء محذوفة [ ص: 340 ] أو ما قلنا من جعلها بمعنى حتى مجازا أي حتى آذن لك ، وعلى الأول يكون كالأول ، وعلى الثاني ينعقد على إذن واحد ، وإذا لزم في إلا أن أحد المجازين وجب الراجح منهما ، ومجاز غير الحذف أولى من مجاز الحذف عندهم ; لأنه تصرف في وصف نفس اللفظ ، ومجاز الحذف تصرف في ذاته بالإعدام مع الإرادة .
وأشار المصنف بقوله شرط أنه لو نوى الإذن مرة واحدة لم يصدق قضاء ، وعليه الفتوى كما في الولوالجية لكنه يصدق ديانة ; لأنه نوى محتمل كلامه فيستعار بمعنى حتى لكنه خلاف الظاهر فلا يصدقه القاضي بخلاف ما إذا نوى التعدد في المسألة الثانية حيث يصدق قضاء ; لأنه محتمل كلامه ، وفيه تشديد على نفسه ، ومثل قوله إلا بإذن بغير إذني فيشترط لكل خروج إذن ; لأن المعنى فيهما واحد مع وجود الباء والرضا والأمر والعلم كالإذن فيما ذكرنا ، وكذلك إن خرجت إلا بقناع أو بملحفة ، ولو قال لها أذنت لك في الخروج كلما أردت فخرجت مرة بعد أخرى لا يحنث فإن نهاها عن الخروج بعد ذلك صح النهي ، وهذا قول وبه أخذ محمد الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل ، ولو أذن لها في الخروج ثم قال لها كلما نهيتك فقد أذنت لك فنهاها لا يصح نهيه إياها ، ولو أذن لها بالعربية ، ولا عهد لها بالعربية فخرجت حنث كما لو أذن لها ، وهي نائمة أو غائبة لم تسمع فخرجت حنث ، وقال بعضهم هذا قول أبي حنيفة أما على قول ومحمد أبي يوسف يكون إذنا ، وقال بعضهم الإذن يصح بدون العلم والسماع في قولهم ، وإنما الخلاف بينهم في الأمر على قول وزفر أبي حنيفة لا يثبت الأمر بدون العلم والسماع والصحيح أن على قولهما لا يكون الإذن إلا بالسماع ; لأن الإذن إيقاع الخبر في الإذن وذلك لا يكون إلا بالسماع ، وأجمعوا أن إذن العبد في التجارة لا يكون إلا بالسماع ، ولو كنست البيت هذه المرأة فخرجت إلى باب الدار لكنس الباب حنث ; لأنها خرجت بغير إذنه . ومحمد
ولو أذن لها في الخروج إلى بعض أهلها فلم تخرج ثم خرجت في ، وقت آخر إلى بعض أهلها قال أخاف أن يحنث ، ولو أن الفقيه أبو الليث فإن كان السائل بحيث لا تقدر المرأة على الدفع إليه إلا بالخروج فخرجت لا يحنث ، وإلا فيحنث ، ولو قالت لزوجها تريد أن أخرج حتى أصير مطلقة فقال الزوج نعم فخرجت طلقت ; لأن كلام الزوج هذا للتهديد لا للإذن . المرأة سمعت سائلا يسأل شيئا بعدما منعها زوجها عن الخروج إلا بإذنه فقال لها الزوج ادفعي هذه الكسرة إليه
ولو قال لها اخرجي أما والله لو خرجت ليخزينك الله تعالى ونحو ذلك قال لا يكون إذنا ، وكذا لو غضبت المرأة وتأهبت للخروج فقال الزوج دعوها تخرج لم يكن إذنا إلا أن ينوي الإذن ، وكذا لو قال الزوج في غضبه اخرجي ينوي التهديد والتوعيد يعني اخرجي حتى تطلقي لم يكن ذلك إذنا ، ولو محمد لم يحنث حتى تخرج مرة أخرى إلا أن يكون ابتداء اليمين مخاشنة كانت بينهما في الخروج فمتى كانت كذلك لا يحنث ، وإن خرجت بعد ذلك ; لأن اليمين كانت على الخروج الأول الكل من الظهيرية ، وفي المبتغى بالغين المعجمة ، وفي قوله لها إن خرجت من الدار إلا بإذني فأنت طالق لا يحنث بخروجها لوقوع غرق أو حرق غالب فيها ، وكذا في القنية . ا هـ . قال لامرأته إن خرجت من هذه الدار فأنت طالق فخرجت قبل أن يقول الزوج طالق
وفي القنية لو حنث . ا هـ . حلف لا يشرب خمرا بغير إذنها فأذنت له أن يشربها في دار كذا فشربها في غيرها
وفي باب آخر منها لم يقع . ا هـ . إن دفعت شيئا بغير إذني فأنت طالق فدفعت من مال نفسها بغير إذنه
وينبغي أن ينظر إلى السبب الداعي إلى اليمين كما لا يخفى . ثم اعلم أن في المسألة الأولى إذا كانت اليمين بالطلاق ثم خرجت بغير إذن ووقع الطلاق ثم خرجت مرة ثانية بغير إذن لا يقع شيء لانحلال اليمين بوجود الشرط ، وليس فيها ما يدل على التكرار كما في الظهيرية ، ولو أذن لها أن تخرج في المسألة الأولى عشرة أيام فدخلت وخرجت مرارا في العشرة [ ص: 341 ] لا يحنث ، ولا فرق في المسألة الأولى بين أن يكون المخاطب الزوجة أو العبد حتى لو فإنه يشترط لكل خروج إذن فلو قال له أطع فلانا في جميع ما يأمرك به فأمره فلان بالخروج فخرج فالمولى حانث لوجود شرط الحنث ، وهو الخروج من غير إذن المولى ; لأن المولى لم يأذن له بالخروج ، وإنما أمره بطاعة فلان ، وكذلك لو قال المولى لرجل ائذن له في الخروج فأذن له الرجل فخرج ; لأنه لم يأذن له بالخروج ، وإنما أمر فلانا بالإذن ، وكذلك لو قال له قل يا فلان مولاك قد أذن لك في الخروج فقال له فخرج فإن المولى حانث ; لأنه لم يأذن له ، وإنما أمر فلانا بكذب ، ولو قال المولى لعبده إن خرجت من هذه الدار إلا بإذني فأنت حر فالمولى حانث ; لأن مقصود المولى من هذا أن لا يخرج إلا برضاه فإذا قال ما أمرك به فلان فقد أمرتك به فهو لا يعلم أن فلانا يأمره بالخروج والرضا بالشيء بدون العلم به لا يتصور فلم يعلم كون هذا الخروج مرضيا به فلم يعلم كونه مستثنى فبقي تحت المستثنى منه ، ولو قال المولى للرجل قد أذنت له في الخروج فأخبر الرجل به العبد لم يحنث المولى . قال المولى لعبده بعد يمينه ما أمرك به فلان فقد أمرتك به فأمره الرجل بالخروج فخرج
ولو لم يكن منه هذا إذنا ; لأنه مخاطرة كذا في البدائع ، وقيد بالزوجة والعبد ; لأنه لو قال لامرأته إن خرجت إلا بإذني ثم قال لها إن بعت خادمك فقد أذنت لك فإنه لا يتكرر الإذن في هذا كله ; لأن قدوم فلان لا يتكرر عادة والإذن في الكلام يتناول كلما يوجد من الكلام بعد الإذن ، وكذا خروج الرجل مما لا يتكرر عادة بخلاف الإذن للزوجة فإنه لا يتناول إلا ذلك الخروج المأذون فيه لا كل خروج إلا بنص صريح فيه مثل أذنت لك أن تخرجي كلما أردت الخروج ونحوه فكان الاقتصار في هذا الوجود الصارف عن التكرار لا ; لأن العرف في الكل على التفصيل المذكور كذا في فتح القدير . قال لا أكلم فلانا إلا بإذن فلان أو حتى يأذن أو إلا أن يأذن أو إلا أن يقدم فلان أو حتى يقدم أو قال لرجل في داره والله لا تخرج إلا بإذني
وأشار المصنف بالمسألة الثانية إلى أنه لو لم يحنث بخلاف ما إذا قال إن دخل هذه الدار إلا ناسيا فدخلها ناسيا ثم دخلها ذاكرا فإنه يحنث ; لأنه استثنى من كل دخول دخولا بصفة فبقي ما سواه داخلا تحت اليمين بخلاف الأول فإنه يعني حتى فلما دخلها ناسيا انتهت اليمين ، وإلى أنه لو قال عبده حر إن دخل هذه الدار إلا أن ينسى فدخلها ناسيا ثم دخل بعد ذلك ذاكرا فإنه لا يحنث ، وقد سقطت اليمين بخلاف ما إذا قال إلا أن يأمرني بها فلان بزيادة بها فأمره فدخل ثم دخل بعد ذلك بغير أمره فإنه يحنث ، ولا بد من الأمر في كل دخلة كقوله إلا بأمر فلان كالمسألة الأولى كما في البدائع أيضا ، وفي الظهيرية قال عبدي حر إن دخلت هذه الدار دخلة إلا أن يأمرني فلان فأمره فلان مرة واحدة قالوا إن كانت تقدر على أن توكل بذلك حنث الحالف ، وإن لم تقدر على أن توكل لا يحنث ، ولو قال لامرأته إن دخلت من هذه الدار إلا لأمر لا بد منه فأنت طالق ، وللمرأة حق على رجل فأرادت أن تدعي ذلك وخرجت لأجله لم يحنث ، ولو أذن لها بالخروج فخرجت بغير علمه لا يحنث ، وإن لم يأذن لها فخرجت ، وهو يراها لا يحنث أيضا . ا هـ . حلف أن لا تخرج امرأته إلا بعلمه فخرجت ، وهو يراها فمنعها
ثم انعقاد اليمين على الإذن في قوله إن خرجت إلا بإذني فأنت طالق أو والله لا تخرجين إلا بإذني مقيد ببقاء النكاح ; لأن الإذن إنما يصح ممن له المنع فلو أبانها ثم تزوجها فخرجت بلا إذن لم يحنث ، وإن كان زوال الملك لا يبطل اليمين عندنا ; لأنها لم تنعقد إلا على مدة بقاء النكاح ، وكذا في العبد يشترط بقاء ملك المولى وسيأتي بيانه أيضا في قوله حلف ليعلمنه بكل داعر دخل البلدة تقيد بقيام ولايته ، وهذا بخلاف ما إذا فإنه يحنث ، ولا يتقيد بحال قيام الزوجية والملك لانعدام دلالة التقييد ، وهي قوله : إلا بإذنه فيعمل بعموم [ ص: 342 ] اللفظ فإن عنى به ما دامت امرأته دين فيما بينه وبين الله تعالى ، ولا يدين في القضاء ; لأنه خلاف الظاهر ، وكذلك من حلف لا تخرج امرأته من هذه الدار ، ولا عبده فبانت منه أو خرج العبد عن ملكه ثم خرج حنث بالخروج زال ذلك الحق أو لم يزل لما قلنا كذا في البدائع ، وفي المحيط طولب بحق فحلف أن لا يخرج من دار مطالبه بخارى إلا بإذنهم فجن أحدهم قال لا يخرج ، وإن مات أحد الثلاثة فخرج لم يحنث ; لأنه ذهب الإذن الذي وقعت عليه اليمين ، ولو قال إلا بإذن فلان فمات المحلوف عليه بطلت اليمين عندهما خلافا رجل حلفه ثلاثة رجال أنه لا يخرج من بناء على أن فوات المعقود عليه يمنع بقاء اليمين عندهما ، وعنده لا يمنع . ا هـ . لأبي يوسف
[ ص: 339 ]