الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : إن لبست من غزلك فهو هدي فملك قطنا فغزلته فلبس فهو هدي ) أي إن لبست ثوبا من مغزولك ، وهذا عند أبي حنيفة ، وقالا ليس عليه أن يهدي حتى تغزله من قطن ملكه يوم حلف ، ومعنى الهدي التصدق به بمكة ; لأنه اسم لما يهدى إليها لهما أن النذر إنما يصح في الملك أو مضافا إلى سبب الملك ، ولم يوجد ; لأن اللبس وغزل المرأة ليسا من أسباب الملك وله أن غزل المرأة عادة يكون من قطن الزوج والمعتاد هو المراد وذلك سبب لملكه ، ولهذا يحنث إذا غزلت من قطن مملوك له وقت النذر ; لأن القطن لم يصر مذكورا وأفاد أنه لو كان القطن مملوكا له وقت الحلف فغزلته فلبسه فإنه هدي بالأولى ، وهو متفق عليه ، وفي فتح القدير والواجب في ديارنا أن يفتى بقولهما ; لأن المرأة لا تغزل إلا من كتان نفسها أو قطنها فليس الغزل سببا لملكه للمغزول عادة فلا يستقيم جواب أبي حنيفة . ا هـ .

                                                                                        وفي المحيط حلف لا يلبس من غزل فلانة ونوى الغزل بعينه لا يحنث إذا لبسه لأنه نوى حقيقة كلامه ، وإن كان لبس الغزل قبل النسج غير ممكن كما لو حلف لا يشرب الماء ونوى شرب جميع المياه لم يحنث حتى لو لم تكن له نية يحمل على المنسوج عرفا ; لأنه عقد يمينه على ما لا يتصور لبسه عرفا فينصرف إلى ما يصنع منه مجازا عرفا كما لو حلف لا يأكل من هذه النخلة حلف لا يلبس ثوبا من غزل فلانة فلبس ثوبا من غزلها وغزل أخرى لا يحنث ; لأن بعض الملبوس ليس من غزلها وبعض الثوب لا يسمى ثوبا كما لو حلف لا يلبس ثوب فلان فلبس ثوبا بين فلان وبين آخر لم يحنث فكذا هنا حتى لو حلف لا يلبس من غزل فلانة فلبس ثوبا من غزلها وغزل غيرها حنث ، وإن كان من غزل فلانة خيط واحد ; لأن الغزل ليس باسم لشيء مقدر فالبعض منه يسمى غزلا وفي الجامع الصغير حلف لا يلبس ثوبا من غزل فلبس ثوبا من غزل ، وقطن كان في ملكه وقت اليمين يحنث ، وكذلك إن لم يكن في ملكه عند أبي حنيفة خلافا لهما .

                                                                                        وفي المنتقى حلف لا يلبس من غزل فلانة ، ولم يقل ثوبا فلبس ثوبا زره وعراه من غزلها لا يحنث ; لأن الزر والعراء قبل الشد لا يصير ملبوسا بلبس القميص وبعد الشد لا يحنث ، وإن صار لابسا ; لأن هذا يسمى شدا ولا يسمى لبسا عرفا ، وفي اللبنة والزيق يحنث لأنه يسمى لابسا لهما عرفا بلبس الثوب ، ولو لبس تكة من غزلها لا يحنث عند أبي يوسف ، وعند محمد يحنث والفتوى على قول أبي يوسف ; لأنه لا يسمى لابسا في التكة عرفا بخلاف ما إذا لبس تكة من حرير فإنه يكره اتفاقا ; لأن المحرم استعمال الحرير مقصودا سواء صار لابسا أو لم يصر ، وقد وجد ، وهذا المحرم باليمين اللبس ، ولم يوجد ، ولم يكره الزر والعرى من حرير ; لأنه لا يعد لابسا ، ولا مستعملا وكذا اللبنة والزيق لا يكره من الحرير ; لأنه مستعمل له تبعا لا مقصودا فصار كالإعلام ، ولو أخذ الحالف خرقة من غزلها قدر شبرين ووضعها على عورته لا يحنث ; لأنه لا يسمى لابسا ، وقال أبو يوسف إذا رقع في ثوبه شبرا حنث ، ولو لبس ثوبا من غزلها فلما بلغ الذيل إلى السرة ، ولم يدخل كميه ورجلاه بعد تحت اللحاف يحنث ; لأنه لبس ، ولو حلف لا يلبس ثوبا من نسج فلان فنسجه [ ص: 392 ] غلمانه فإن كان فلان لم يعمل بيديه لم يحنث وإن كان عمل حنث ; لأن حقيقة النسج ما يفعله بيده فيحمل على الحقيقة ما أمكن ، وإلا يحمل على المجاز ، وهو الأمر به ، ولو حلف لا يلبس ثوبا من غزلها فلبس كساء من غزلها حنث ; لأن هذا ثوب من غزلها ، وإن كان من الصوف . ا هـ .

                                                                                        وفي الظهيرية حلف لا يلبس من غزل فلانة فلبس ثوبا خيط من غزل فلانة لا يحنث ، ولو لبس قلنسوة أو شبكة من غزل فلانة يحنث . ا هـ .

                                                                                        وفي فتح القدير ، ومعنى من غزل الهدي هنا ما يتصدق به بمكة ; لأنه اسم لما يهدى إليها فإن كان نذر هدي شاة أو بدنة فإنما يخرجه عن العهدة ذبحه في الحرم والتصدق به هناك فلا يجزئه إهداء قيمته ، وقيل في إهداء قيمة الشاة روايتان فلو سرق بعد الذبح فليس عليه غيره ، وإن نذر ثوبا جاز التصدق في مكة بعينه أو بقيمته ، ولو نذر إهداء ما لم ينقل كإهداء دار ونحوها فهو نذر بقيمتها . ا هـ .

                                                                                        فالحاصل أنه في مسألة الكتاب لا يخرج عن العهدة إلا بالتصدق بمكة مع أنهم قالوا لو التزم التصدق على فقراء مكة بمكة ألغينا تعيينه الدرهم والمكان والفقير فعلى هذا يفرق بين التزام بصيغة الهدي وبينه بصيغة النذر .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله : وفي الجامع الصغير حلف لا يلبس ثوبا من غزل فلبس ثوبا إلخ ) هكذا فيما رأيناه من النسخ ، ولعله لا يلبس ثوبا من غزل فلانة فسقط لفظ فلانة أو نحوه تأمل ( قوله : بخلاف ما إذا لبس تكة من حرير فإنه يكره اتفاقا ) قال في المنح فيما ذكره من حكاية الاتفاق نظر لما في شرح الوهبانية نقلا عن التتمة قال لا بأس بتكة الحرير للرجل عند أبي حنيفة ذكره بعض مشايخنا في الجامع الصغير وذكر الصدر الشهيد في أيمان الواقعات أنه يكره عند أبي يوسف ومحمد . ا هـ .

                                                                                        وفي القنية رمز لشرح الإرشاد ، وقال تكره التكة المعمولة من الإبريسم هو الصحيح ، وكذا القلنسوة ، وإن كانت تحت العمامة والكيس الذي يعلق . ا هـ .

                                                                                        وفي شرحه للقدوري لا تكره التكة من الحرير ، وعن أبي يوسف تكره واختلف في عصبه الجراحة بالحرير . ا هـ .

                                                                                        إذا علمت هذا ظهر أن الجواب عما تقدم من الإشكال إنما يحتاج إليه على ما صححه في القنية أما على مقابله فلا . ا هـ [ ص: 392 ]

                                                                                        ( قوله : فإن كان فلان لم يعمل بيديه لم يحنث ، وإن كان يعمل حنث ) كذا فيما رأيناه من النسخ ، وهي مقلوبة يدل عليه ما في الذخيرة فإن كان فلان يعمل بيده لا يحنث إلا أن يلبس من عمله ، وإن كان فلان لا يعمل بيده يحنث ، وكذلك على هذا الأعمال كلها . ا هـ .




                                                                                        الخدمات العلمية