الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قوله ( لبس خاتم ذهب أو عقد لؤلؤ لبس حلي ) يعني لو حلف لا يلبس حليا فلبس خاتم ذهب أو عقد لؤلؤ حنث أما الذهب فلأنه حلي ، ولهذا لا يحل استعماله للرجال ، وأما عقد اللؤلؤ فأطلقه فشمل المرصع وغيره ، وهو قولهما ، وقال الإمام لا يحنث بغير المرصع ; لأنه لا يتحلى به عرفا إلا مرصعا ، ومبنى الأيمان على العرف لهما أن اللؤلؤ حلي حقيقة حتى سمي به في القرآن في قوله تعالى { وتستخرجون حلية تلبسونها } ، وقيل هذا اختلاف عصر وزمان ويفتى بقولهما ; لأن التحلي به على الانفراد معتاد كذا في الهداية ، ولهذا اختاره في المختصر ، وأطلق الخاتم من الذهب فشمل ما له فص ، وما لا فص له اتفاقا وشمل ما إذا كان الحالف رجلا أو امرأة كما في الظهيرية قوله ( لا خاتم فضة ) أي ليس بحلي عرفا ولا شرعا بدليل أنه أبيح للرجال مع منعهم من التحلي بالذهب والفضة ، وإنما أبيح لهم لقصد التختم لا لقصد الزينة فلم يكن حليا كاملا في حقهم ، وإن كانت الزينة لازم وجوده لكنها لم تقصد به أطلقه فشمل ما إذا كان مصوغا على هيئة خاتم النساء أو لا ، وقيده في النهاية بما إذا لم يكن مصوغا ; لأن ما صيغ على هيئة خاتم النساء بأن كان ذا فص يحنث به ، وهو الصحيح ، وأطلقه بعضهم كما في المختصر ورجحه في فتح القدير ; لأن العرف في خاتم الفضة نفي كونه حليا ، وإن كان زينة . ا هـ .

                                                                                        وأشار المصنف إلى أنه على قياس قول الإمام لا بأس للرجال بلبس اللؤلؤ الخالص كذا في التبيين وذكر القلانسي في تهذيبه أنه على قياس قوله الذهب والفضة ليس بحلي قبل الصياغة حتى لو علقت في عنقها تبر الذهب والفضة لا تحنث وعندهما . ا هـ .

                                                                                        وقيد بخاتم الفضة ; لأن الخلخال والدملج والسوار حلي ; لأنه لا يستعمل إلا للتزين فكان كاملا في معنى الحلي كذا في المحيط .

                                                                                        وأشار المصنف بعقد اللؤلؤ إلى أن عقد الزبرجد أو الزمرد كذلك فأبو حنيفة شرط الترصيع ، وهما أطلقا كما في المحيط والحلي بضم الحاء وتشديد الياء جمع حلي بفتح الحاء وسكون اللام كثدي وثدي ، وقيد به ; لأنه لو حلف لا يلبس سلاحا ، ولا نية له فقلد سيفا أو ترسا لا يحنث ; لأنه لم يلبس السلاح ، ولو لبس درعا من حديد أو غيره يحنث ، ولو حلف لا يشتري سلاحا فاشترى سكينا أو حديدا لا يحنث ; لأن بائعه لا يسمى بائع السلاح كذا في المحيط ، وفي الظهيرية حلف لا يلبس ثوبا أو لا يشتري فيمينه على كل ملبوس يستر العورة وتجوز الصلاة فيه حتى لو اشترى مسحا أو بساطا أو طنفسة ، ولبسها لا يحنث والمسح الحلس ، وهو البساط المنسوج من شعر المعزى والطنفسة البساط المحشو ، ولو اشترى فروا أو لبس فروا يحنث ولو اشترى قلنسوة أو لبسها لا يحنث ، ولو اشترى ثوبا صغيرا [ ص: 393 ] يحنث هكذا ذكر في المبسوط قالوا أراد به أن يكون إزارا أو سراويل بل يستر العورة وتجوز الصلاة فيه حتى لو اشترى منديلا يمتخط به لا يحنث ، ولو حلفت المرأة أن لا تلبس ثوبا فتقنعت بقناع لم تحنث إذا لم يبلغ مقدار الإزار ، وإن بلغ حنثت ، وإن حلف لا يلبس ثوبا فلبس لفافة لا يحنث ، وعلى قياس مسألة الخمار ينبغي أن يحنث إذا كانت اللفافة تبلغ مقدار الإزار ، وإن اعتم بعمامة عن محمد أنه لا يحنث ، وعن أبي يوسف كذلك إلا أن تكون عمامة لو لفها كانت إزارا أو رداء فحينئذ يحنث ، وفي السير الكبير إن اسم الثوب لا ينتظم العمامة والقلنسوة والخف وذكر خواهر زاده أن هذا الجواب في عمائم العرب ; لأنها صغيرة لا يجيء منها الثوب الكامل فأما في عمائمنا فالجواب بخلافه ; لأنه يجيء منها المئزر ، ولو حلف لا يلبس قميصا فاتزر بقميص أو ارتدى بقميص لا يحنث .

                                                                                        والأصل في جنس هذه المسائل أن من حلف على لبس ثوب لا بعينه لا يحنث ما لم يوجد منه اللبس المعتاد ، وإذا حلف على لبس ثوب بعينه فعلى أي وصف لبسه حنث في يمينه ، ولو حلف لا يلبس ثوبا فوضعه على عاتقه يريد حمله أو عرضه على البيع لا يحنث ، ولو حلف لا يلبس قباء أو هذا القباء فوضعه على كتفيه ، ولم يدخل يديه في كميه ففي الوجه الأول اختلف المشايخ بعضهم قالوا لا يحنث استدلالا بما ذكره محمد في المناسك أن المحرم إذا فعل هكذا لا كفارة عليه وبعضهم قالوا يحنث ; لأن القباء قد يلبس هكذا ، وفي الوجه الثاني يحنث بلا خلاف ولو حلف لا يلبس قباء أو هذا القباء فوضعه على اللحاف حالة النوم لا يحنث هكذا حكى ظهير الدين المرغيناني فتوى عمه شمس الإسلام الأوزجندي ا هـ .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله : لا بأس للرجال بلبس اللؤلؤ الخالص ) قال في النهر وجزم الحدادي في الحظر والإباحة بحرمة اللؤلؤ للرجال ; لأنه من حلي النساء لكنه بقولهما أليق .




                                                                                        الخدمات العلمية