( قوله : ونصالحهم ولو بمال لو خيرا ) لقوله تعالى { ، وإن جنحوا للسلم فاجنح لها } ووادع رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل مكة عام الحديبية على أن يضع الحرب بينه وبينهم عشر سنين ولأن الموادعة جهاد معنى إذا كان خيرا للمسلمين ; لأن المقصود وهو دفع الشر حاصل به ، فإذا وقع الصلح أمنوا على أنفسهم وأموالهم وذراريهم وأمن من أمنوه وصار في حكمهم كما في الولوالجية أراد بالصلح العهد على ترك الجهاد مدة معينة أي مدة كانت ولا يقتصر الحكم على المدة المذكورة في المروي لتعدي المعنى إلى ما زاد عليها وقيد بالخير ; لأنه لا يجوز بالإجماع إذا لم يكن فيه مصلحة وأطلق في قوله ولو بمال فشمل المال المدفوع منهم إلينا وعكسه ، والأول ظاهر إذا كان بالمسلمين حاجة إليه ; لأنه جهاد معنى ولأنه إذا جاز بغير المال فبالمال أولى ، وإن لم يكن إليهم حاجة به لا يجوز ; لأنه ترك للجهاد صورة ومعنى ، والمأخوذ منهم يصرف مصارف الجزية ; لأنه مأخوذ بقوة المسلمين كالجزية إلا إذا نزلوا بدارهم للحرب فحينئذ يكون غنيمة لكونه مأخوذا بالقهر ، والثاني لا يفعله الإمام لما فيه من إعطاء الدنية ولحوق المذلة إلا إذا خاف على المسلمين ; لأن واجب وذكر دفع الهلاك بأي طريق أمكن الولوالجي لو فهؤلاء آمنون لبقاء الأمان ولو دخل الموادعون بلدة أخرى لا موادعة معهم فغزا المسلمون في تلك البلدة كان فيئا ; لأن حكم الموادعة بطل في حق الأسير . ا هـ . أسر من الموادعين أهل دار أخرى فاستولى عليه المسلمون
وفي المحيط ولو لا يملكه وكذا إن أغار المسلمون عليهم وسبوا قوما منهم لم يسع المسلمين الشراء من ذلك السبي ويرد المبيع ومن دخل منهم دارنا بغير أمان لا نتعرض له ; لأن الموادعة السابقة كافية في إفادة الأمان والعصمة ا هـ . وقع الصلح ثم سرق مسلم منهم شيئا
وأطلق في المصالح ولم يقيده بالإمام ; لأن جائزة كإعطائه الأمان ، فإن كان على مال ولم يعلم الإمام ذلك ، فإن مضت المدة أخذه وجعله في بيت المال ، وإن علم بها قبل مضيها ، فإن كان فيها خير أمضاها وأخذ المال وإلا أبطلها ورد المال ونبذ إليهم ، وإن كان بعد مضي البعض رد كل المال [ ص: 86 ] استحسانا بخلاف ما إذا موادعة المسلم أهل الحرب ، فإنه يرد الثلثين لتفريق العقود هنا بتفريق التسمية بخلاف الأول ، فإن العقد واحد ولو وادعهم ثلاث سنين كل سنة بكذا وقبض المال كله ثم أراد الإمام نقضها بعد مضي سنة ، فإن كانت من أنفسهم وأهليهم وذراريهم لم يصح ; لأن الكل دخلوا تحت الأمان فلا يجوز استرقاقهم وتمليكهم ، وإن صالحوا على مائة رأس بأعيانهم أول سنة على أن يكون أولئك لهم ثم يعطوهم كل سنة مائة رأس من رقيقهم جاز لعدم دخولهم تحت الأمان وتمامه في المحيط . وادع المسلمون أهل الحرب على أن يؤدوا كل سنة مائة رأس إلينا وفيها خير
وذكر الولوالجي وهذا كله إذا وقع الصلح على أن يكونوا مبقين على أحكام الكفر ، فإن وقع الصلح على أن تجري عليهم أحكام الإسلام فقد صاروا ذمة ولا يسع للمسلمين أن لا يقبلوا ذلك منهم ; لأنهم لما قبلوا حكم الإسلام صاروا من جملة أهلها ( قوله وننبذ لو خيرا ) ; لأنه عليه السلام التي كانت بينه وبين أهل نبذ الموادعة مكة ولأن المصلحة لما تبدلت كان النبذ جهارا وإبقاء العهد ترك الجهاد صورة ومعنى فلا بد من النبذ تحرزا عن الغدر ولا بد من اعتبار مدة يبلغ خبر النبذ إلى جميعهم ويكتفى في ذلك بمضي مدة يتمكن ملكهم بعد عمله بالنبذ من إنفاذ الخبر إلى أطراف مملكته ; لأن بذلك ينتفي الغدر ، فإن كانوا خرجوا من حصونهم وتفرقوا في البلاد أو خربوا حصونهم بسبب الأمان فحتى يعودوا كلهم إلى مأمنهم ويعمروا حصونهم مثل ما كانت توقيا عن الغدر وفي المغرب نبذ الشيء من يده طرحه ورمى به نبذا ونبذ العهد نقضه وهو من ذلك ; لأنه طرح له وفي النهاية ، والمراد هنا من قوله فلا بد من النبذ إعلام نقض العهد .
وذكر الشارح أن النبذ يكون على الوجه الذي كان الأمان ، فإن كان منتشرا يجب أن يكون النبذ كذلك ، وإن كان غير منتشر بأن أمنهم واحد من المسلمين سرا يكتفى بنبذ ذلك الواحد كالحجر بعد الإذن وهذا إذا صالحهم مدة فرأى نقضه قبل مضي المدة ، وأما إذا مضت المدة ، فإنه يبطل الصلح بمضيها فلا ينبذ إليهم ومن كان منهم في دارنا فهو آمن حتى يبلغ مأمنه ; لأنه في يدنا بأمان كذا ذكره الولوالجي
( قوله : ) ; لأنهم صاروا ناقضين للعهد فلا حاجة إلى نقضه أطلق في خيانة ملكهم فشمل ما إذا كان باتفاق الكل أو بفعل بعضهم بإذنه حتى لو دخل جماعة منهم ذو منعة دار الإسلام بإذنه وقاتلوا المسلمين كان نقضا وقيد بملكهم ; لأنه لو دخل جماعة بغير إذنه لم ينتقض في حق الكل ، وإنما ينتقض في حق الخائنين حتى يجوز قتلهم واسترقاقهم ، وإن لم يكن لهم منعة لم يكن نقضا للعهد ونقاتل بلا نبذ لو خان ملكهم
[ ص: 86 ]