الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله وللإمام أن ينفل بقوله من قتل قتيلا فله سلبه وبقوله للسرية جعلت لكم الربع بعد الخمس ) أي بعدما دفع الخمس للفقراء لأن التحريض مندوب إليه قال الله تعالى { يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال } وهذا نوع تحريض فلو قال المصنف : ويستحب للإمام لكان أولى . وقول من قال لا بأس للإمام لا يخالفه لأنها تستعمل في المندوب أيضا كما تقدم في الجنائز فلم تكن مطردة لما تركه أولى ثم قد يكون التنفيل بما ذكر وقد يكون بغيره كالدراهم والدنانير أو بقول من أخذ شيئا فهو له فما ذكر في المختصر مثال لا قيد لكن قالوا لو قال للعسكر كل ما أخذتم فهو لكم بالسوية بعد الخمس أو للسرية لم يجز [ ص: 100 ] لأن فيه إبطال السهمان الذي أوجبها الشرع إذ فيه تسوية الفارس بالراجل وكذا لو قال ما أصبتم فهو لكم ولم يقل بعد الخمس لأن فيه إبطال الخمس الثابت بالنص ذكره في السير الكبير قال في فتح القدير وهذا بعينه يبطل ما ذكرناه من قوله من أصاب شيئا فهو له لاتحاد اللازم فيهما وهو بطلان السهمان المنصوصة بالتسوية بل وزيادة حرمان من لم يصب شيئا أصلا بانتهائه فهو أولى بالبطلان والفرع المذكور من الحواشي وبه أيضا ينتفي ما ذكر من قوله أنه لو نفل بجميع المأخوذ جاز إذا رأى المصلحة وفيه زيادة إيحاش الباقين وزيادة الفتنة ا هـ .

                                                                                        ويدخل الإمام نفسه في قوله من قتل قتيلا استحسانا لأنه ليس من باب القضاء ولا تهمة بخلاف ما إذا خصص نفسه بقوله من قتلته للتهمة إلا إذا عمم بعده كما في الظهيرية وبخلاف ما إذا خصهم بقوله من قتل قتيلا منكم فإن الإمام لا يستحق كما في التتارخانية .

                                                                                        وإذا اشترك رجلان في قتل حربي اشتركا في سلبه وقيده في شرح الطحاوي بأن يكون المقتول مبارزا يقاوم الكل فإن كان عاجزا لا يستحقون سلبه ويكون غنيمة وإن قيده الإمام بقوله وحده لا يستحقان سلبه ولو كان الخطاب لواحد فشاركه آخر استحق المخاطب وحده ولو خاطب واحدا فقتل المخاطب رجلين فله سلب الأول خاصة إلا إذا قتلهما معا فله واحدة والخيار في تعيينه للمقاتل لا للإمام ولو كان على العموم فقتل رجل اثنين فأكثر استحق سلبهما ويستحق السلب من يستحق السهم أو الرضخ فيشتمل الذمي والتاجر والمرأة والعبد ولا بد أن يكون المقتول منهم مباح القتل حتى لا يستحق السلب بقتل النساء والمجانين والصبيان الذين لم يقاتلوا ولا يشترط في استحقاق السلب سماع القاتل مقالة الإمام حتى لو قتل من لم يسمع فله السلب لأنه ليس في وسع الإمام إسماع الأفراد وإنما وسعه إشاعة الخطاب وقد وجد .

                                                                                        ولو نفل السرية بالربع وسمع العسكر دونها فلهم النفل استحسانا كذا في الظهيرية وفي التتارخانية من قتل قتيلا فله سلبه يقع على كل قتال في تلك السفر ما لم يرجعوا وإن مات الوالي أو عزل ما لم يمنعه الثاني وإن قال حالة القتال يتعين ذلك ولو قال من دخل دار الحرب بدرع فله كذا ، جاز ، وكذا بدرعين ولا يجوز ما زاد إلا إذا كان فيه منفعة للمسلمين بخلاف ما إذا قال من دخل بفرس كذا فإنه لا يجوز والرماح والأقواس كالدرع وقيد المصنف بالإمام لأن أمير السرية إذا نهاه الإمام عن [ ص: 101 ] التنفيل فليس له أن ينفل إلا إذا رضي العسكر بنفله فيجوز من الأربعة الأخماس وإن لم ينهه له ذلك لأنه قائم مقام الإمام ولو نفل الإمام السرية بالثلث بعد الخمس ثم أن أميرها نفل لفتح الحصن أو للمبارزة بغير أمر الإمام فإن نفل من حصة السرية يجوز ولا يجوز من سهام العسكر إلا إذا رجعت السرية إلى دار الإسلام قبل لحاق العسكر فإن نفل أميرهم جائز من جميع ما أصابوا لأنه لا شركة للعسكر معهم فجاز نفل أمير السرية وبطل نفل أمير العسكر ولا فرق في النفل بين أن يكون معلوما أو مجهولا فلو قال من جاء منكم بشيء فله منه طائفة فجاء رجل بمتاع وآخر بثياب وآخر برءوس فالرأي للأمير ولو قال له منه قليل أو يسير أو شيء أعطاه أقل من النصف والجزء النصف وما دونه وسهم رجل من القوم يعطيه سهم الراجل ولو قال من جاء بألف فله ألفان فجاء بألف لا يعطى إلا الألف ولو قال من جاء بالأسير فله الأسير وألف درهم فإنه يعطى ذلك والفرق وتمام التفريعات في المحيط .

                                                                                        والتنفيل إعطاء الإمام الفارس فوق سهمه وهو من النفل وهو الزائد ومنه النافلة الزائد على الفرض ويقال لولد الولد كذلك أيضا ويقال نفله تنفيلا ونفله بالتخفيف نفلا لغتان فصيحتان .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله أو للسرية ) عطف على قوله للعسكر لكن هذا مخالف لما في الهداية حيث فرق بين العسكر والسرية فقال ولا ينبغي للإمام أن ينفل بكل المأخوذ لأن فيه إبطال حق الكل وإن فعله مع السرية جاز لأن التصرف إليه وقد تكون المصلحة فيه ا هـ .

                                                                                        وكذا قال الزيلعي أنه لو نفل السرية بالكل جاز وذكر في الاختيار كما في الهداية ونفل في الدرر عن النهاية عن السير الكبير نحوه قلت لكن الذي رأيته في السير الكبير للسرخسي التفصيل في السرية فإنه قال لو بعث أمير المصيصة سرية لا ينبغي أن ينفل لهم ما أصابوا بخلاف ما إذا دخل الإمام مع الجيش في دار الحرب ثم بعث سرية ونفل لهم ما أصابوا فإنه يجوز لأن السرية في الأول يختصون بما أصابوا قبل تنفيل الإمام وليس لأهل المصيصة معهم شركة في ذلك فإن المصيصة من دار الإسلام ومن توطن في دار الإسلام لا يشارك الجيش فيما أصابوا فليس في هذا التنفيل إلا إبطال الخمس وفي الثاني لا يختصون بالمصاب قبل التنفيل فهذا تنفيل للتخصيص على وجه التحريض فيصح ا هـ .

                                                                                        وحاصله أنه إن بعث السرية من دار الإسلام لم يكن له التنفيل بكل ما أصابوا لأنهم صاروا بمنزلة الجيش من العسكر لأنهم كل العسكر بخلاف ما إذا بعث السرية من دار الحرب لأنهم قطعة من العسكر خصهم بما أصابوا للتحريض وهذا شأن التنفيل من زيادة البعض على غيرهم للتحريض كما بين ذلك بعد نحو ورقة بقوله ولو بعث السرية من دار الإسلام ونفلهم الثلث بعد الخمس أو قبل الخمس كان باطلا لأنه ما خص بعضهم بالتنفيل وليس مقصوده فيه إبطال الخمس وإبطال تفضيل الفارس على الراجل فلا يجوز بخلاف ما إذا التقوا في دار الحرب ففي التنفيل هناك معنى التخصيص لهم لأن الجيش شركاؤهم في الغنيمة ففي التنفيل تخصيصهم ببعض المصاب وهو مستقيم ا هـ .

                                                                                        وحاصله أن التنفيل العام لا يصح وذلك في العسكر وفي السرية المبعوثة من دارنا لأنها بمنزلة العسكر ووجه بطلانه أنه ليس فيه معنى التخصيص أي زيادة البعض على الباقي بخلاف السرية المبعوثة من العسكر في دار الحرب لكن التنفيل للسرية المبعوثة من دارنا لا يصح إذا كان التنفيل للكل بمعنى أن يكون جميع ما أصابوه بينهم لأنه ليس فيه تخصيص بخلاف ما إذا نفل من [ ص: 100 ] أصاب منهم شيئا للمصيب فقط فإنه يصح لما ذكره بعد نحو ورقتين من أنه لو قال للسرية المبعوثة من دارنا من قتل منكم قتيلا فله سلبه ومن أصاب منكم شيئا فهو له دون من بقي من أصحابه جاز لأن فيه معنى التخصيص لأن القاتل والمصيب يختص بالنفل بخلاف ما إذا نفل لهم الثلث لأنه ليس فيه تخصيص البعض ولا إبطال حق أحد من الغانمين ا هـ .

                                                                                        وعلى هذا يقال في العسكر أيضا لو قال لهم من أصاب شيئا فهو له دون من بقي جاز قياسا على السرية المبعوثة من دارنا لما علمت من أنهما متحدان حكما ( قوله لأن فيه إبطال السهمان الذي أوجبها الشرع ) قال الرملي أي في قوله صلى الله تعالى عليه وسلم للفارس سهمان وللراجل سهم فهو على الحكاية ا هـ .

                                                                                        قلت لكن في المصباح السهم النصيب والجمع أسهم وسهمان بالضم فالظاهر أن ما هنا بالضم جمع سهم لكن كان الأولى التعبير بالتي بدل الذي لو كان المراد به المثنى لقال اللذين أوجبهما الشرع مع أن إتيانه بالألف على قصد الحكاية بعيد فيتعين ما قلنا والله أعلم .

                                                                                        ( قوله وهذا بعينه يبطل إلخ ) أقول : فيه نظر ظاهر لأن قوله من أصاب شيئا فهو له فيه تخصيص البعض دون البعض وهو معنى التنفيل كما علمت مما قررناه آنفا بخلاف ما أصبتم فهو لكم فإنه ليس فيه تخصيص البعض بل فيه إبطال التفاوت بين الفارس والراجل قصدا وكذا فيه إبطال الخمس قصدا إن لم يقل بعد الخمس وأما قوله من أصاب شيئا فهو له فإنه وإن كان فيه إبطال التفاوت وإبطال الخمس أيضا لكنه غير مقصود كما يظهر مما نقلناه عن السير وكذا قال في السير ولو قال لهم الإمام لا خمس عليكم فيما أصبتم أو الفارس والراجل سواء فيما أصبتم كان باطلا فكذلك كل تنفيل لا يفيد إلا ذلك فإن قيل أليس في قوله من قتل قتيلا فله سلبه إبطال الخمس عن السلب مع أنه جائز قلنا هناك المقصود بالتنفيل التحريض وتخصيص القاتلين بإبطال شركة العسكر عن الإسلاب ثم يثبت إبطال الخمس عنها تبعا وقد ثبت تبعا ما لا يثبت قصدا ( قوله وإذا اشترك رجلان إلخ ) قيد بهما لأنه لو كانوا ثلاثة أو أكثر فالقياس كذلك لأن من للعموم ولكنه قبيح لأنه يؤدي إلى أنه لو اجتمع العسكر كلهم على قتله فلهم سلبه وليس مراده ذلك والاستحسان يحتمل وجوها أحسنها أنه إن قتله قوم يرى الناس أن ذلك القتيل لو خلي بينه وبينهم كان ينتصف منهم فلهم سلبه وإلا فلا وتمامه في شرح السير الكبير .

                                                                                        ( قوله وفي التتارخانية إلخ ) وكذا في شرح السير الكبير لو قال في دار الحرب قبل [ ص: 101 ] أن يلقوا قتالا من قتل قتيلا فله سلبه جاز ويبقى حكم هذا التنفيل إلى أن يخرجوا من دار الحرب حتى لو رأى مسلم مشركا نائما أو غافلا في عمل فقتله فله سلبه كما لو قتله في الصف أو بعد الهزيمة أما لو قال ذلك بعد ما اصطفوا للقتال فهو على ذكر القتال حتى ينقضي ولو بقي أياما .




                                                                                        الخدمات العلمية