الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        لكن وقع الاشتباه في مسائل منها هل يستدين للإمام والخطيب والمؤذن باعتبار أنه لا بد له من ذلك فيكون بإذن القاضي فقط أو لا الظاهر أنه لا يستدين لهم إلا بإذن القاضي لقوله في جامع الفصولين لضرورة مصالح المسجد وقال في خزانة الأكمل لو وقف على مصالح المسجد يجوز دفع غلته إلى الإمام والمؤذن والقيم . ا هـ .

                                                                                        ولم يذكر الخطيب قال في شرح المنظومة ولا شك أنه في الجامع نظير من ذكر في المسجد . ا هـ .

                                                                                        فعلى هذا تخرج الأربعة من قول القنية الموقوف عليهم ومنها هل يستدين بإذن القاضي للحصر والزيت بالمسجد أم لا فعلى أنهما من المصالح له ذلك وإلا فلا وقد اختلف في كونهما من المصالح ففي القنية رقم لركن الدين الصباغي وقال كتبت إلى المشايخ ورمز للقاضي عبد الجبار وشهاب الدين الإمامي هل للقيم شراء المرواح من مصالح المسجد فقالا لا ثم رمز للعلاء الترجماني فقال الدهن والحصير والمراوح ليس من مصالح المسجد وإنما مصالحه عمارته ثم رمز لأبي حامد وقال الدهن والحصير من مصالحه دون المراوح قال يعني مولانا بديع الدين وهو أشبه للصواب وأقرب إلى غرض الواقف . ا هـ .

                                                                                        فقد تحرر [ ص: 229 ] أن الراجح كونهما من المصالح فيستدين بإذن القاضي ومنها أن المتولي لو ادعى أنه استدان بإذن القاضي هل يقبل قوله بلا بينة الظاهر أنه لا يقبل وإن كان المتولي مقبول القول لما أنه يريد الرجوع في الغلة وهو إنما قبل قوله فيما بيده وعلى هذا لو كان الواقع أنه لم يستأذن القاضي يحرم عليه أن يأخذ من الغلة لما أنه بغير الإذن متبرع . ا هـ .

                                                                                        وقد علمت مما نقلناه عن قاضي خان أنه لو أنفق من ماله أو أدخل جذعا له في الوقف لا يكون من باب الاستدانة لأنها محصورة في القرض والشراء بالنسيئة وعلى هذا فلو صرف المتولي للمستحقين من ماله لا يكون من الاستدانة وله الرجوع ولكن قاضي خان قيده بالإنفاق على المرمة وقيده في جامع الفصولين بأن يشهد أنه أنفق ليرجع فوقع الاشتباه في الصرف على المستحقين وعلى هذا وقع الاشتباه في زماننا في ناظر أذن إنسانا في الصرف على المستحقين من ماله قبل مجيء الغلة ليرجع به إذا جاءت الغلة هل يكون من باب الاستدانة للموقوف عليهم فلا تجوز ولا رجوع له أو أنه كصرف الناظر عليهم من مال نفسه فله الرجوع إن قلنا برجوعه فإن قلت إنه دفع لهم بشرط أن يأخذ معاليمهم فقام مقامهم قلت قال في جامع الفصولين من السابع والعشرين الوكيل لو لم يقبض ثمنه حتى لقي الآمر فقال بعت ثوبك من فلان فأنا أقضيك عنه ثمنه فهو متطوع ولا يرجع على المشتري ولو قال أنا أقضيكه عنه على أن يكون المال الذي على المشتري لي لم يجز ورجع الوكيل على موكله بما دفع وفي العدة يباع عنده بضائع للناس أمروه ببيعها فباعها بثمن مسمى فعجل الثمن من ماله إلى أصحابها على أن أثمانها له إذا قبضها فأفلس المشتري فللبائع أن يسترد ما دفع إلى أصحاب البضائع ا هـ .

                                                                                        قال في القنية إذا قال القيم أو المالك لمستأجرها أذنت لك في عمارتها فعمرها بإذنه يرجع على القيم والمالك وهذا إذا كان يرجع معظم منفعته إلى المالك أما إذا رجع إلى المستأجر وفيه ضرر بالدار كالبالوعة أو شغل بعضها كالتنور فلا ما لم يشترط الرجوع . ا هـ .

                                                                                        ويدل له بالأولى ما في جامع الفصولين المتولي صرف العمارة من خشب مملوك له ودفع قيمته من مال الوقف كان له إذ يملك المعاوضة من مال نفسه كوصي يملك صرف ثوب مملوك إلى الصبي ودفع ثمنه من مال الصبي ولكن لو ادعى لا يقبل قوله وهذا يشير إلى أنه لو أنفق ليرجع له الرجوع في مال الوقف واليتيم من غير أن يدعي عند القاضي أما لو ادعى عند القاضي وقال أنفقت من مالي كذا في الوقف واليتيم لا يقبل قوله ثم رقم بعلامة ( بق ) ادعى وصي أو قيم أنه أنفق من مال نفسه وأراد الرجوع في مال اليتيم والوقف ليس له ذلك إذ يدعي دينا لنفسه على اليتيم والوقف فلا يصح بمجرد الدعوى ذكره في أحكام العمارة وفي البزازية قيم الوقف أنفق من ماله في الوقف ليرجع في غلته له الرجوع وكذا الوصي مع مال الميت ولكن لو ادعى لا يكون القول قوله المتولي إذا أنفق من مال نفسه ليرجع في مال الوقف له ذلك فإن شرط الرجوع يرجع وإلا فلا . ا هـ .

                                                                                        وفيها أيضا قيم المسجد اشترى شيئا لمؤنة المسجد بلا إذن الحاكم بماله لا يرجع على الوقف . ا هـ .

                                                                                        وظاهره أنه لا رجوع له مطلقا إلا بإذن القاضي سواء كان أنفق ليرجع أو لا سواء رفع إلى القاضي أو لا سواء برهن على ذلك أو لا الخامسة يستثنى من قولهم لا يقدم على العمارة أحد ما في المحيط لو شرط [ ص: 230 ] العمارة في الوقف فإنه تقدم العمارة على صاحب الغلة إلا إذا جعلت غلتها لفلان سنة أو سنتين ثم بعده للفقراء أو شرط العمارة من الغلة فإنه يؤخر العمارة عن حق صاحب الغلة لأنا لو صرفنا الغلة إلى العمارة أولا أدى إلى إبطال حق صاحب الغلة لأن حقه في الغلة في مدة مخصوصة فتنتهي بمضيها ولو صرفناها إليه أولا لا يؤدي إلى فوات عمارة الوقف لأنه يمكن عمارته في السنة الثانية إلا إذا كان في تأخير العمارة ضرر بين بالوقف فحينئذ تقدم العمارة لئلا يؤدي إلى إبطال مقصود الواقف . ا هـ .

                                                                                        وقيد بالسنتين لما في التتارخانية وأما المشروط له الغلة في ثلاث سنين يؤخذ بالعمارة ا هـ .

                                                                                        [ ص: 229 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 229 ] ( قوله الظاهر أنه لا يقبل إلخ ) يؤيده أنه لا يقبل قوله إذا ادعى أنه أنفق من ماله ليرجع كما سيأتي عن البزازية فدعوى الاستدانة بالأولى تأمل ( قوله أو أنه كصرف الناظر عليهم إلخ ) قال الرملي رحمه الله الوجه أنه كصرف بنفسه من مال نفسه إذ هو مستقرض منه وقد أمره بالصرف عليهم تأمل . ا هـ .

                                                                                        أقول : إذا كان مستقرضا لا يكون كصرفه من مال نفسه لأن الاستقراض استدانة فلا رجوع تأمل ( قوله إن قلنا برجوعه ) أقول : في فتاوى الحانوتي بعد ذكر السؤال عن ذلك ما نصه الذي وقفت عليه في كلام أصحابنا أن الناظر إذا أنفق من مال نفسه على عمارة الوقف ليرجع في غلته له الرجوع ديانة لكن لو ادعى ذلك لا يقبل منه بل لا بد من أن يشهد أنه أنفق ليرجع كما في الرابع والثلاثين من جامع الفصولين وكلامهم هذا يقتضي أن ذلك ليس من الاستدانة على الوقف وإلا لما جاز إلا بإذن القاضي ولم يكف الإشهاد وحيث لم يكن من الاستدانة فلا مانع أن يكون الصرف على المستحق من ماله مساويا للصرف على العمارة من ماله نعم الاستدانة على الوقف لأجل الصرف على المستحق لا تجوز وإنما جوزوها لما لا بد للوقف منه كالعمارة هذا ما ظهر . ا هـ .

                                                                                        قلت انظر ما قدمنا في التوفيق بين كلام الخانية وجامع الفصولين ( قوله ما في جامع الفصولين ) أي ذكره في الرابع والثلاثين ( قوله الخامسة يستثني إلخ ) قيل لا محل لهذا الاستثناء لأن محل قولهم الذي يبدأ به من غلة الوقف تعميره ما إذا كان في ترك العمارة ضرر بين ومحل مسألة الخصاف ما إذا لم [ ص: 230 ] يكن في ترك تعمير الوقف هلاك الوقف يشعر بذلك قول الخصاف على وجه التعليل للحكم الذي ذكره لأن تأخير العمارة سنة ليس مما يخرج الوقف عن حاله




                                                                                        الخدمات العلمية