( قوله : ونوم مضطجع ومتورك ) بيان للنواقض الحكمية بعد الحقيقية والنوم فترة طبيعية تحدث في الإنسان بلا اختيار منه وتمنع الحواس الظاهرة والباطنة عن العمل مع سلامتها واستعمال العقل مع قيامه فيعجز العبد عن أداء الحقوق وللعلماء في النوم طريقتان ذكرهما في المبسوط وتبعه شراح الهداية إحداهما أن النوم ليس بناقض إنما الناقض ما لا يخلو عنه النائم فأقيم السبب الظاهر مقامه كما في السفر وكما إذا دخل الكنيف وشك في وضوئه ، فإنه ينتقض وضوءه لجريان العادة عند الدخول في الخلاء بالتبرز .
الثانية : أن عينه ناقض وصحح في السراج الوهاج الأول فاختاره الزيلعي مقتصرا عليه ; لأنه لو كان ناقضا لاستوى وجوده في الصلاة وخارجها فما في التوشيح من أن عينه ليس بناقض اتفاقا فيه نظر ، ولما كان النوم مظنة الحدث أدير الحكم على ما يتحقق معه الاسترخاء على الكمال ، وهو في المضطجع والاضطجاع وضع الجنب على الأرض يقال ضجع الرجل إذا وضع جنبه بالأرض واضطجع مثله كذا في الصحاح ويلحق به المستلقي على قفاه والنائم المستلقي على وجهه
وأما من نام واضعا أليتيه على عقبيه وصار شبه المنكب على وجهه واضعا بطنه على فخذيه لا ينتقض وضوءه كذا في النهاية والمعراج وعزاه في فتح القدير إلى الذخيرة ثم قال : وفي غيرها لو نام متربعا ورأسه على فخذيه نقض ، وهذا يخالف ما في الذخيرة ا هـ .
وفي المحيط لو نام قاعدا واضعا أليتيه على عقبيه شبه المنكب قال محمد عليه الوضوء وقال أبو يوسف : لا وضوء عليه ، وهو الأصح ا هـ . فأفاد أن في المسألة اختلافا بين الصاحبين وأن ما في النهاية وغيرها هو الأصح أطلق في المضطجع فشمل المريض إذا نام في صلاته مضطجعا وفيه خلاف والصحيح النقض وقيل لا ; لأن نومه قاعدا كنوم الصحيح قائما ، وأما التورك فلفظ مشترك ، فإن كان بمعنى أن جلسته تكشف عن المخرج كما إذا نام على أحد وركيه أو معتمدا على أحد مرفقيه فهذا ناقض ، وهو مراد المصنف بدليل ما علل به في الكافي
وإن كان بمعنى أن يبسط قدميه من جانب ويلصق أليتيه بالأرض فهذا غير ناقض كما في الخلاصة ولم يذكر المصنف الاستناد إلى شيء لو أزيل عنه لسقط ; لأنه لا ينقض في ظاهر المذهب عن أبي حنيفة إذا لم تكن مقعدته زائلة عن الأرض كما في الخلاصة وبه أخذ عامة المشايخ ، وهو الأصح كما في البدائع ، وإن كان مختار القدوري النقض ، وأما إذا كانت مقعدته زائلة ، فإنه ينقض اتفاقا ، وهو بمعنى التورك فلذا تركه وفي الخلاصة ، ولو نام على رأس التنور وهو جالس قد أدلى رجليه كان حدثا وفي المبتغى ، ولو نام محتبيا ورأسه على ركبتيه لا ينقض وفي المحيط لو نام على دابة ، وهي عريانة قالوا إن كان في حالة الصعود والاستواء لا يكون حدثا ، وإن كان في حالة الهبوط يكون حدثا ; لأن مقعدته متجافية عن ظهر الدابة ا هـ .
وفي هذه المواضع التي يكون فيها حدثا فهو بمعنى التورك فلم يخرج عن كلام المصنف وقيد المصنف بنوم المضطجع والمتورك ; لأنه لا ينقض نوم القائم ولا القاعد ، ولو في السراج أو المحمل كما في الخلاصة ولا الراكع ولا الساجد مطلقا إن كان في الصلاة
وإن كان خارجها فكذلك إلا في السجود ، فإنه يشترط أن يكون على الهيئة المسنونة له بأن يكون رافعا بطنه عن فخذيه مجافيا عضديه عن جنبيه ، وإن سجد على غير هذه الهيئة انتقض وضوءه ; لأن في الوجه الأول الاستمساك باق [ ص: 40 ] والاستطلاق منعدم بخلافه في الوجه الثاني ، وهذا هو القياس في الصلاة إلا أنا تركناه فيها بالنص كذا في البدائع وصرح الزيلعي بأنه الأصح وسجدة التلاوة وفي هذا كالصلبية وكذا سجدة الشكر عند محمد خلافا لأبي حنيفة كذا في فتح القدير وكذا في سجدتي السهو كذا في الخلاصة وأطلق في الهداية الصلاة فشمل ما كان عن تعمد وما كان عن غلبة وعن أبي يوسف إذا تعمد النوم في الصلاة نقض والمختار الأول وفي فصل ما يفسد الصلاة من فتاوى قاضي خان لو نام في ركوعه أو سجوده إن لم يتعمد لا تفسد ، وإن تعمد فسدت في السجود دون الركوع ا هـ .
كأنه مبني على قيام المسكة حينئذ في الركوع دون السجود ومقتضى النظر أن يفصل في ذلك السجود إن كان متجافيا لا تفسد ، وإلا تفسد كذا في فتح القدير
وقد يقال مقتضى الأصح المتقدم أن لا ينتقض بالنوم في السجود مطلقا وينبغي حمل ما في الخانية على رواية أبي يوسف وفي جامع الفقه أن النوم في الركوع والسجود لا ينقض الوضوء ، ولو تعمده ولكن تفسد صلاته كذا في شرح منظومة ابن وهبان وفي الخلاصة لو نام قاعدا فسقط على الأرض عن أبي حنيفة أنه إن انتبه قبل أن يصيب جنبه الأرض أو عند إصابة جنبه الأرض بلا فصل لم ينتقض وضوءه وعن أبي يوسف أنه ينتقض وعن محمد أنه إن انتبه قبل أن تزايل مقعدته الأرض لم تنقض وضوءه ، وإن زايل مقعدته الأرض قبل أن ينتبه انتقض والفتوى على رواية أبي حنيفة قال شمس الأئمة الحلواني : ظاهر المذهب عن أبي حنيفة كما روي عن محمد قيل هو المعتمد وسواء سقط أو لم يسقط وإن نام جالسا ، وهو يتمايل ربما تزول مقعدته عن الأرض وربما لا تزول قال شمس الأئمة الحلواني : ظاهر المذهب أنه لا يكون حدثا ، ولو وضع يده على الأرض فاستيقظ لا ينتقض الوضوء سواء وضع [ ص: 41 ] بطن الكف أو ظهر الكف ما لم يضع جنبه على الأرض قبل التيقظ ا هـ .
وقيدنا بالنوم ; لأن النعاس مضطجعا لا ذكر له في المذهب والظاهر أنه ليس بحدث
وقال أبو علي الدقاق وأبو علي الرازي : إن كان لا يفهم عامة ما قيل عنده كان حدثا كذا في شروح الهداية وبهذا تبين أن ما في التبيين على قول الشيخين لا على الظاهر وعليه يحمل ما في سنن البزار بإسناد صحيح كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون الصلاة فيضعون جنوبهم فمنهم من ينام ثم يقوم إلى الصلاة ، فإن النوم مضطجعا ناقض إلا في حق النبي صلى الله عليه وسلم صرح في القنية بأنه من خصوصياته ; ولهذا ورد في الصحيحين { أن النبي صلى الله عليه وسلم نام حتى نفخ ثم قام إلى الصلاة ولم يتوضأ } لما ورد في حديث آخر { إن عيني تنامان ولا ينام قلبي } ولا يشكل عليه ما ورد في الصحيح من { أنه نام ليلة التعريس حتى طلعت الشمس } ; لأن القلب يقظان يحس بالحدث وغيره مما يتعلق بالبدن ويشعر به القلب ، وليس طلوع الفجر والشمس من ذلك ولا هو مما يدرك بالقلب وإنما يدرك بالعين ، وهي نائمة ، وهذا هو المشهور في كتب المحدثين والفقهاء كذا في شرح المهذب .
[ ص: 39 ]


