الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله والمزابنة ) هو بالجر في الكل عطفا على الميتة أي لم يجز بيع المزابنة { لنهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع المزابنة ، والمحاقلة } أما المزابنة فقال في الفائق بيع الثمر في رءوس النخل بالتمر لأنها تؤدي إلى النزاع ، والمدافعة من الزبن ، وهو الدفع ، والمحاقلة من الحقل ، وهو القراح من الأرض ، وهي الطيبة التربة الخالصة من شائبة السبخ الصالحة للزرع ، ومنه حقل يحقل إذا زرع ، والمحاقلة مفاعلة من ذلك ، وهي المزارعة بالثلث أو الربع وغيرهما ، وقيل هي اكتراء الأرض بالبر ، وقيل بيع الطعام في سنبله بالبر ، وقيل بيع الزرع قبل إدراكه ، وفي رواية ، { ورخص في العرايا } قال العرية النخلة التي يعريها الرجل محتاجا أي يجعل له ثمرتها فرخص للمعري أن يبتاع ثمرتها من المعرى بتمر لموضع حاجته سميت عرية لأنه إذا وهب [ ص: 83 ] ثمرتها فكأنه جردها من الثمرة وعراها منها ثم اشتق منها الإعراء ا هـ .

                                                                                        واقتصر في الهداية في تفسير المحاقلة على القول الثالث ، وجوز الشافعي بيع المزابنة فيما دون خمسة أوسق لنهيه عن المزابنة ، ورخص في العرايا ، وهي أن يباع بخرصها تمرا فيما دون خمسة أوسق ، وأجاب أصحابنا بأن العرية العطية لغة ، وتأويله أن يبيع المعري له ما على النخيل من المعرى بتمر مجذوذ ، وهو بيع مجاز لأنه لا يملكه فيكون برا مبتدأ كذا في الهداية ، وأصحابنا خرجوا عن الظاهر من ثلاثة أوجه الأول إطلاق البيع على الهبة . الثاني قوله رخص يخالف ما قرروه ، وجوابه أنه رخصة في الوفاء بالوعد ، والعزيمة أن يفي بالموعود فأعطى غيره مع كونه ليس بإخلاف للوعد رخصة . الثالث التقييد بما دون خمسة أوسق فائدة ، وعلى مذهبنا لا فائدة له ، وجوابه لأن الواقعة في القليل ، ومن مشايخنا من ادعى أن الترخيص في بيع العرايا منسوخ بالنهي عن بيع العرايا ، ومنهم من قال تعارض المحرم والمبيح فقدم المحرم ، وهو مردود بأن الرخصة متصلة بالنهي فلا يصح القول بنسخ الترخيص للاتصال ، وقد ثبت في البخاري أنه { نهى عن بيع المزابنة ثم رخص بعد ذلك في بيع العرايا } فبطل القول بالنسخ ، والله الموفق .

                                                                                        والخرص الحرز ، وكذا لا يجوز بيع العنب بالزبيب ، ومعنى النهي أنه مال الربا فلا يجوز بيعه بجنسه مع الجهل كما لو كانا موضوعين على الأرض ثم اعلم أن تعريف المزابنة بأنها بيع الثمر بالتمر خلاف التحقيق ، والأولى أن يقال بيع الرطب بتمر إلى آخره لأن الثمر بالمثلثة حمل الشجر رطبا أو غيره ، وإذا لم يكن رطبا جاز لاختلاف الجنس ، ولو كان الرطب على الأرض كالتمر لم يجز بيعه متساويا عند العلماء إلا أبا حنيفة لما سيأتي في باب الربا .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله إن يبتاع ثمرتها من المعري بتمر ) الأول بالثاء المثلثة ، والمراد به الرطب ، والثاني بالتاء المثناة .




                                                                                        الخدمات العلمية