( قوله وشراء ما باع بالأقل قبل النقد ) أي لم يجز فهو مرفوع عطفا على بيع لا أنه مجرور عطفا على المجرورات لأنه لو كان كذلك لصار المعنى لم يجز بيع شراء وهو فاسد ، وإنما منعنا جوازه استدلالا بقول شراء البائع ما باع بأقل مما باع قبل نقد الثمن عائشة رضي الله تعالى عنها لتلك المرأة ، وقد باعت بستمائة بعدما اشترت بثمانمائة بئس ما شريت ، واشتريت أبلغي أن الله تعالى أبطل حجه ، وجهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لم يتب ، ولأن الثمن لم يدخل في ضمانه فإذا وصل إليه المبيع وقعت المقاصصة فبقي له فضل بلا عوض بخلاف ما إذا باع بالعرض لأن الفضل إنما يظهر عند المجانسة أطلق في الشراء فشمل شراءه من كل وجه ، والشراء من وجه كشراء من لا تجوز شهادته له فإنه لا يجوز أيضا كشرائه بنفسه خلافا لهما في غير العبد ، والمكاتب أطلق فيما باعه فشمل ما باعه بنفسه أو بوكيله ، وما باعه أصالة أو وكالة كما شمل الشراء لنفسه ولغيره إذا كان هو البائع ، وشمل أيضا شراء الكل أو البعض كما في القنية ، وخرج شراء وارث البائع ووكيله عند زيد بن أرقم لأن العقد وقع له لكونه أصيلا في الحقوق خلافا لهما لكونه قائما مقامه ، ولكن لا تطيب له الزيادة عند الإمام ، وإن ملكها . الإمام
وأما شراء البائع ممن اشترى من مشتريه فجائز وفاقا ، وشرط في السراج الوهاج لجواز شراء وارث البائع أن يكون ممن تجوز شهادته للمورث في حياته ، وإلا لا يجوز ، وهو قيد حسن أغفله كثير ، وإن كان معلوما من بيان حكم شراء من لا تجوز شهادته له ، وأورد المؤلف رحمه الله تعالى الشراء من مشتريه حقيقة أو حكما كالشراء من وارث مشتريه ، والفرق بين الوارثين أن وارث البائع إنما لم يقم مقامه لأن هذا مما لا يورث ، وهو إنما يقوم مقامه فيما يورث بخلاف وارث المشتري فإنه قام مقامه في ملك العين ، وهذا من أحكامهما ، وقيد بما باع لأن المبيع لو انتقص خرج أن يكون شراء ما باع فيكون النقصان من الثمن في مقابلة ما نقص من العين سواء كان النقصان من الثمن بقدر ما نقص منها أو بأكثر منه ، وعلى هذا تفرع ما قالوا لو إن كانت الولادة نقصتها جاز كما لو دخلها عيب عند المشتري ثم اشتراها منه بالأقل ، وإن لم تنقصها لا يجوز لأنه يحصل به ربح لم يدخل في ضمانه كذا في فتح القدير ، ولا بد أن يكون النقصان فيها من حيث الذات لأن العين لو نقصت قيمتها بتغير الأسعار لم يجز الشراء بالأقل لأن تغيير السعر غير معتبر في حق الأحكام لأنه فتور في الرغبات لا فوات جزء كما في حق الغاصب وغيره فعاد إليه كما خرج عن ملكه فظهر الربح ، وقيد بالأقل احترازا عن المثل أو الأكثر فإنه جائز ، ولا بد من اتحاد جنس الثمنين لأنه حينئذ يظهر النقصان فإن اختلف الجنس جاز مطلقا ، والدراهم والدنانير هنا جنس واحد احتياطا . ولدت الجارية عند المشتري ثم اشتراها البائع بأقل
وقدمنا أنهما جنسان إلا في ثمانية في أول البيوع فإذا كان النقد الثاني أقل من قيمة الأول لم يجز ، وأطلق في الأقلية فشمل الأقل قدرا ، والأقل وصفا فلو باع بألف نسيئة إلى سنة ثم اشتراه بألف نسيئة إلى سنتين فسد عندنا ، وقيد بقوله قبل النقد إذ بعده لا فساد ، وفي القنية لو قبض نصف الثمن ثم اشترى النصف بأقل من نصف الثمن لم يجز ، وكذا لو أحال البائع على المشتري ا هـ .
وفي السراج الوهاج لا يجوز أن يشتريه بأقل من الثمن ، وإن بقي من ثمنه درهم ، ولا بد من نقد جميع الثمن ، ولو خرج [ ص: 91 ] المبيع عن ملك المشتري ثم عاد إليه فإن عاد إليه بحكم ملك جديد كالإقالة قبل القبض أو بعده أو بالشراء أو الهبة أو بالميراث فشراء البائع منه بالأقل جائز ، وإن عاد إليه بما هو في فسخ بخيار رؤية أو شرط قبل القبض أو بعده فالشراء منه بالأقل لا يجوز كذا في السراج الوهاج .
وذكر الشارح هنا فروعا فقال ( قوله وصح فيما ضم إليه ) أي صح كأن اشترى جارية بخمسمائة ثم باعها ، وأخرى معها من البائع قبل أن ينقده الثمن بخمسمائة فالبيع جائز في التي لم يشترها من البائع ، ويفسد في الأخرى لأنه لا بد أن يجعل بعض الثمن في مقابلة التي لم يشترها منه فيكون مشتريا للأخرى بأقل مما باع ، وهذا فاسد عندنا ، ولم يوجد هذا المعنى في صاحبتها ، ولا يشيع الفساد لكونه ضعيفا للاجتهاد فيه أو لأنه باعتبار شبهة الربا أو لأنه طارئ لأنه يظهر بانقسام الثمن والمقاصة فلا يسري إلى غيرها ، وأورد على التعليل الأول ما لو أسلم قوهيا في قوهي ومروي فإنه باطل في الكل عنده ، وعندهما يصح في المروي كما لو أسلم حنطة في شعير ، وزيت عنده يبطل في الكل ، وعندهما يصح في حصة الزيت مع أن إفساد العقد بسبب الجنسية مجتهد فيه فإن أسلم هرويا في هروي جاز عند البيع في المضموم إلى شراء ما باعه بالأقل قبل النقد ، ولا مخلص منه إلا بتغيير تعليل تعدي الفساد بقوة الفساد بالإجماع عليه إلى تعليله بأنه يجعل الشرط الفاسد في أحدهما ، وهو قبول العقد في الهروي شرطا لقبوله في المروي فيفسد في المروي بالشرط الفاسد ، وفي الهروي باتحاد الجنس كذا اعترف به الشافعي شمس الأئمة بعد أن علل به هو في شرح الجامع .
وأشار المصنف إلى أن البائع لو اشتراه مع رجل آخر فإنه يجوز من الأجنبي في نصفه .
[ ص: 90 ]