ومن سمع الأذان فعليه أن يجيب وإن كان جنبا ; لأن [ ص: 273 ] إجابة المؤذن ليست بأذان وفي فتاوى قاضي خان إجابة المؤذن فضيلة وإن تركها لا يأثم ، وأما قوله عليه الصلاة والسلام { من لم يجب الأذان فلا صلاة له } فمعناه الإجابة بالقدم لا باللسان فقط ، وفي المحيط يجب على السامع للأذان الإجابة ويقول مكان حي على الصلاة لا حول ولا قوة إلا بالله ومكان حي على الفلاح ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ; لأن إعادة ذلك يشبه الاستهزاء ; لأنه ليس بتسبيح ولا تهليل وكذا إذا قال الصلاة خير من النوم فإنه يقول صدقت وبررت ولا يقرأ السامع ولا يسلم ولا يرد السلام ولا يشتغل بشيء سوى الإجابة ولو كان السامع يقرأ يقطع القراءة ويجيب وقال الحلواني الإجابة بالقدم لا باللسان حتى لو أجاب باللسان ولم يمش إلى المسجد لا يكون مجيبا ولو كان في المسجد حين سمع الأذان ليس عليه الإجابة وفي الظهيرية ولو كان الرجل في المسجد يقرأ القرآن فسمع الأذان لا يترك القراءة ; لأنه أجابه بالحضور ولو كان في منزله يترك القراءة ويجيب لعله متفرع على قول الحلواني والظاهر أن الإجابة باللسان واجبة لظاهر الأمر في قوله صلى الله عليه وسلم { إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول } إذ لا تظهر قرينة تصرف عنه بل ربما يظهر استنكار تركه ; لأنه يشبه عدم الالتفات إليه والتشاغل عنه وفي شرح النقاية ومن سمع الإقامة لا يجيب ولا بأس بأن يشتغل بالدعاء عندهما وفي فتح القدير إن إجابة الإقامة مستحبة وفي غيره أنه يقول إذا سمع قد قامت الصلاة أقامها الله وأدامها وفي التفاريق إذا كان في المسجد أكثر من مؤذن أذنوا واحدا بعد واحد فالحرمة للأول وسئل ظهير الدين عمن سمع في وقت من جهات ماذا عليه قال إجابة أذان مسجده بالفعل وفي فتح القدير وهذا ليس مما نحن فيه إذ مقصود السائل أي مؤذن يجيب باللسان استحبابا أو وجوبا والذي [ ص: 274 ] ينبغي إجابة الأول سواء كان مؤذن مسجده أو غيره ; لأنه حيث سمع الأذان ندب له الإجابة أو وجبت على القولين وفي القنية سمع الأذان وهو يمشي فالأولى أن يقف ساعة ويجيب . وعن عائشة رضي الله عنها إذا سمع الأذان فما عمل بعده فهو حرام وكانت تضع مغزلها وإبراهيم الصائغ يلقي المطرقة من ورائه ورد خلف شاهدا لاشتغاله بالنسيج حالة الأذان وعن السلماني كان الأمراء يوقفون أفراسهم له ويقولون كفوا . ا هـ .
وأما الحوقلة عند الحيعلة فهو وإن خالف ظاهر قوله عليه السلام { فقولوا مثل ما يقول } لكنه ورد فيه حديث مفسر لذلك رواه مسلم واختار المحقق في فتح القدير الجمع بين الحوقلة والحيعلة عملا بالأحاديث ; لأنه ورد في بعض الصور طلبها صريحا في مسند أبي يعلى إذا قال حي على الصلاة قال حي على الصلاة إلى آخره وقولهم إنه يشبه الاستهزاء لا يتم إذ لا مانع من صحة اعتبار المجيب بهما داعيا لنفسه محركا منها السواكن مخاطبا لها ، وقد أطال رحمه الله الكلام فيه وبهذا ظهر أن ما في غاية البيان من أن سامع الحيعلة لا يقول مثل ما يقول المؤذن ; لأنه يشبه الاستهزاء وما يفعله بعض الجهلة فذاك ليس بشيء . ا هـ . لأنه كيف ينسب فاعله إلى الجهل مع وروده في بعض الأحاديث والأصول تشهد له ; لأن عندنا المخصص الأول ما لم يكن متصلا لا يخصص بل يعارض أو يقدم العام وقال به بعض مشايخنا كما في الظهيرية وفي فتح القدير ، وقد رأينا من مشايخ السلوك من كان يجمع بينهما فيدعو نفسه ، ثم يتبرأ من الحول والقوة ليعمل بالحديثين وفي حديث عمرو بن أبي أمامة التنصيص على أن لا يسبق المؤذن بل يعقب كل جملة منه بجملة منه . ا هـ .
ولم أر حكم ما إذا فرغ المؤذن ولم يتابعه السامع هل يجيب بعد فراغه وينبغي أنه إن طال الفصل لا يجيب وإلا يجيب وفي المجتبى في ثمانية مواضع إذا سمع الأذان لا يجيب في الصلاة واستماع خطبة الجمعة وثلاث خطب الموسم والجنازة وفي تعلم العلم وتعليمه والجماع والمستراح وقضاء الحاجة والتغوط ، قال أبو حنيفة لا يثني بلسانه وكذا الحائض والنفساء لا يجوز أذانهما وكذا ثناؤهما . ا هـ .
والمراد بالثناء الإجابة وكذا لا تجب الإجابة عند الأكل كما صرح به وفي صحيح البخاري عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم { من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة } وفي المجتبى من كتاب الشهادات من سمع الأذان وانتظر الإقامة في بيته لا تقبل شهادته .
( قوله : ويجعل أصبعيه في أذنيه ) لقوله صلى الله عليه وسلم { اجعل أصبعيك في أذنيك فإنه أرفع لصوتك } والأمر للندب بقرينة التعليل فلهذا لو لم يفعل كان حسنا وكذا لو جعل يديه على أذنيه ، فإن قيل ترك السنة كيف يكون حسنا قلنا : لأن الأذان معه أحسن فإذا تركه بقي الأذان حسنا ، كذا في الكافي فالحسن راجع إلى الأذان ، وإنما كان ذلك أبلغ في الإعلام ; لأن الصوت يبدأ من مخارج النفس فإذا سد أذنيه اجتمع النفس في الفم فخرج الصوت عاليا من غير ضرورة وفيه فائدة أخرى وهي ربما لم يسمع إنسان صوته لصمم أو بعد أو غيرهما فيستدل بأصبعيه على أذانه ولا يستحب وضع الأصبع في الأذن في الإقامة لما قدمنا أن الإقامة أخفض من الأذان . ( قوله : ويثوب ) أي المؤذن والتثويب العود إلى الإعلام بعد الإعلام ومنه الثيب ; لأن مصيبها عائد إليها والثواب ; لأن منفعة عمله تعود إليه والمثابة ; لأن الناس يعودون إليه ووقته بعد الأذان على الصحيح كما ذكره قاضي خان وفسره في رواية الحسن بأن يمكث بعد الأذان قدر عشرين آية ، ثم يثوب ، ثم يمكث كذلك ، ثم يقيم وهو نوعان قديم وحادث فالأول الصلاة خير من النوم وكان بعد الأذان إلا أن علماء الكوفة ألحقوه بالأذان والثاني [ ص: 275 ] أحدثه علماء الكوفة بين الأذان والإقامة حي على الصلاة مرتين حي على الفلاح مرتين وأطلق في التثويب فأفاد أنه ليس له لفظ يخصه بل تثويب كل بلد على ما تعارفوه إما بالتنحنح أو بقوله الصلاة الصلاة أو قامت قامت ; لأنه للمبالغة في الإعلام ، وإنما يحصل بما تعارفوه فعلى هذا إذا أحدث الناس إعلاما مخالفا لما ذكر جاز ، كذا في المجتبى
وأفاد أنه لا يخص صلاة بل هو في سائر الصلوات وهو اختيار المتأخرين لزيادة غفلة الناس وقلما يقومون عند سماع الأذان وعند المتقدمين هو مكروه في غير الفجر وهو قول الجمهور كما حكاه النووي في شرح المهذب لما روي أن عليا رأى مؤذنا يثوب في العشاء فقال أخرجوا هذا المبتدع من المسجد وعن ابن عمر مثله ولحديث الصحيحين { من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد } وأفاد أنه لا يخص شخصا دون آخر فالأمير وغيره سواء وهو قول محمد ; لأن الناس سواسية في أمر الجماعة وخص أبو يوسف الأمير وكل من كان مشتغلا بمصالح المسلمين كالمفتي والقاضي والمدرس بنوع إعلام بأن يقول السلام عليك أيها الأمير حي على الصلاة حي على الفلاح الصلاة يرحمك الله واختاره قاضي خان وغيره لكن ذكر ابن الملك أن أبا حنيفة مع محمد وعاب عليه محمد فقال أف لأبي يوسف حيث يخص الأمراء بالذكر والتثويب ومال إليهم ولكن أبا يوسف رحمه الله إنما خص أمراء زمانه ; لأنهم كانوا مشغولين بأمور الرعية ، أما إذا كان مشغولا بالظلم والفسق فلا يجوز للمؤذن المرور على بابه ولا التثويب لهم إلا على وجه الأمر بالمعروف والنصيحة كما في السراج الوهاج وغيره وقيد بكون المثوب هو المؤذن لما في القنية معزيا للملتقط لا ينبغي لأحد أن يقول لمن فوقه في العلم والجاه حان وقت الصلاة سوى المؤذن ; لأنه استفضال لنفسه ( فرع )
في شرح المهذب للشافعية يكره أن يقال في الأذان حي على خير العمل ; لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم والزيادة في الأذان مكروهة . ا هـ . وقد سمعناه الآن عن الزيدية ببعض البلاد .
[ ص: 273 ]


