( كتاب الحوالة ) .
ذكرها بعدها ; لأن كلا منهما عقد التزام ما على الأصيل للتوثق ، إلا أن الحوالة تتضمن براءة الأصيل براءة مقيدة بخلاف الكفالة ، فكانت كالمركب مع المفرد والمفرد مقدم فأخر الحوالة عنها ، والكلام فيها في مواضع : الأول في معناها لغة ففي المصباح حولته تحويلا نقلته من موضع إلى موضع وحول هو تحويلا يستعمل لازما متعديا ، وحولت الرداء نقلت كل طرف إلى موضع الآخر والحوالة مأخوذة من هذا فأحلته بدينه نقلته من ذمة إلى غير ذمتك ، وأحلت الشيء إحالة نقلته أيضا ا هـ .
وفي الصحاح أحال عليه بدينه والاسم الحوالة ا هـ .
وفي فتح القدير يقال أحلت زيدا بماله على عمرو فاحتال أي قبل فأنا محيل وزيد محال يقال محتال والمال محال به والرجل محال عليه ، ويقال محتال عليه فتقدير الأصل في محتال الواقع فاعلا محتول بكسر الواو وفي الواقع مفعولا محتول بالفتح كما يقدر في مختار الفاعل مختير بكسر الياء وفتحها في مختار المفعول ، وأما صلة له مع المحتال الفاعل فلا حاجة إليها بل الصلة مع المحال عليه لفظة عليه فهما محتال ومحتال عليه فالفرق بينهما بعدم الصلة وبصلة عليه ، ويقال للمحتال حويل أيضا فالمحيل هو المديون والمحال والمحتال رب الدين والمحال عليه والمحتال عليه هو الذي التزم ذلك الدين للمحتال والمحال به نفس الدين ا هـ .
الثاني في معناها شريعة فأفاده بقوله ( هي نقل الدين من ذمة إلى ذمة ) أي من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه ، وهذا قول البعض فقد اتفقوا على أصل النقل ثم اختلفوا في كيفيته فقيل إنها نقل المطالبة والدين ، وقيل نقل المطالبة فقط وجعل الاختلاف في البدائع بين المتأخرين ، ونسب الشارح الأول إلى والثاني إلى أبي يوسف . وجه الأول دلالة الإجماع من أن محمد صح ، ولو أبرأ المحيل أو وهبه لم يصح ولولا انتقاله إلى ذمة المحال عليه لما صح الأول ، ولصح الثاني وحكي في المجمع خلاف المحتال لو أبرأ المحال عليه من الدين أو وهبه منه في الثانية فكأنه لم يعتبره فنقل الإجماع ، ووجه الثاني دلالة الإجماع أيضا من أن المحيل إذا قضى دين الطالب بعد الحوالة قبل أن يؤدي المحتال عليه لا يكون متطوعا ، ويجبر على القبول ولو لم يكن عليه دين لكان متطوعا ، فينبغي أن لا يجبر على القبول كما إذا تطوع أجنبي بقضاء دين إنسان على غيره ، وكذا محمد لا يرتد برده ، ولو وهبه منه ارتد كما لو أبرأ الطالب الكفيل أو وهبه منه ، ولو انتقل إلى ذمة المحال عليه لما اختلف حكم الإبراء والهبة ، وكذا المحال لو أبرأ المحال عليه عن دين الحوالة لم يرجع على المحيل ، وإن كاتب بأمره كالكفالة ولو وهب الدين منه فله الرجوع إذا لم يكن للمحيل عليه دين ، ولو كان له عليه دين يلتقيان قصاصا كما في الكفالة فدلت هذه الأحكام على التسوية بين الحوالة والكفالة ، ثم الدين في باب الكفالة ثابت في ذمة الأصيل فكذا [ ص: 267 ] في الكفالة هكذا قرره في البدائع ، ولم يرجح وفي فتح القدير المصحح من المذهب أنها توجب البراءة من الدين ا هـ . المحتال لو أبرأ المحال عليه دين الحوالة
فالمذهب ما في الكتاب قالوا وفائدة الاختلاف في أنها نقلهما ، أو المطالبة فقط تظهر في مسألتين إحداهما أن فله أن يسترد الرهن عند الراهن إذا أحال المرتهن بالدين وكذا لو أبرأه عنه وعند أبي يوسف لا يسترده كما لو أجل الدين بعد الرهن ، والثانية إذا محمد لا يصح عند أبرأ الطالب المحيل بعد الحوالة ; لأنه برئ بالحوالة ، وعند أبي يوسف يصح وبرئ المحيل وقد أنكر هذا الخلاف بينهما بعض المحققين ، وقال لم ينقل عن محمد نص بنقل المطالبة دون الدين بل ذكر أحكاما متشابهة واعتبر الحوالة في بعضها تأجيلا ، وجعل المحول بها المطالبة لا الدين واعتبرها في بعض الأحكام إبراء ، وجعل المحول بها المطالبة والدين وإنما فعل هكذا ; لأن اعتبار حقيقة اللفظ يوجب نقل المطالبة والدين إذ الحوالة مبنية على النقل وقد أضيف إلى الدين ، واعتبار المعنى يوجب تحويل المطالبة ; لأن الحوالة تأجيل معنى ألا ترى أن المحتال عليه إذا مات مفلسا يعود الدين إلى ذمة المحيل وهذا هو معنى التأجيل فاعتبر المعنى في بعض الأحكام ، واعتبر الحقيقة في بعضها نعم يحتاج إلى بيان لمية خصوص الاعتبار في كل مكان كذا في فتح القدير وفي تلخيص الجامع بها صار على الحويل ما كان على المحيل إذ نقل الدين أوفى بمعناها من نقل الطلب وحده ، وإن عكس محمد حسب التأثير في أبو يوسف ولهذا جاز للمحال أن يبرئ الحويل أو يسترهن أو يهب منه دون المحيل على المذهب عكس ما قبلها ، ولم يصر للمحال ما كان للمحيل وإن قيدها بالدين حذار تمليكه غير المديون بل يلزم الحويل دينان لهذا لو قبل الحال مؤجلا لم يظهر الأجل في حق المحيل حسب التأثير بعد الموت والإبراء ا هـ . عتق المكاتب ، وبطلان الرهن بعد الإحالة على الغير
ثم اعلم أنه يرد على تعريفها بالنقل المذكور أشياء الأول أن التعريف لا يصدق على الحوالة المقيدة الوديعة إذ ليس فيها دين انتقل إلى المحال عليه . ثانيها عود الدين بالتوى ولو انتقل الدين لم يعد . ثالثها جبر المحال على قبول الدين من المحيل بعدها ، ولو انتقل لم يجبر . رابعها قسمة الدين بين غرماء المحيل بعد موته قبل قبض المحتال ، ولو انتقل لاختص به المحال . خامسها أن إبراء المحتال المحال عليه لا يرتد بالرد ، ولو انتقل إليه لارتد . سادسها أن توكيل المحال المحيل بالقبض من المحال عليه غير صحيح ، ولو انتقل من ذمة المحيل لصح لكونه أجنبيا . سابعها أن المحتال لو وهب للمحال عليه كان له أن يرجع على المحيل ولو انتقل الدين إلى المحال عليه لكانت الهبة إبراء فلا رجوع . ثامنها أنها تفسخ بالفسخ ولو سقط الدين لم يعد تاسعها عدم سقوط حق حبس المبيع فيما إذا أحاله المشتري .
عاشرها كذلك الرهن والجواب أن موجبها نقل مؤقت لا مؤبد فبرئ المحيل براءة مؤقتة إلى التوى فالرجوع به ; لأنه لم يبرأ براءة مؤبدة ، وإنما برئ بشرط السلامة للمحتال فحيث توى المال لم يوجد الشرط ، وصح أداء المحيل للمحتال ليستفيد البراءة المؤبدة التي لم تحصل بالحوالة كما علل به في الذخيرة ولا يضر في نقل الدين قسمته بين غرماء المحيل بعد موته قبل قبض المحتال ; لأن المحتال لم يملك الدين بالحوالة إذ يلزمه عليه تمليك الدين من غير من عليه الدين ، وهو لا يجوز وإنما ملك المطالبة فإذا قبضه ملكه ، ولا يلزم أن يكون على المحال عليه دينان دين للمحيل بدليل قسمته بين غرمائه ودين للمحتال ; لأن الممنوع أن يكون للدين الواحد مطالبان لا أن يكون على واحد دينان باعتبارين لهما مطالب واحد كما في الحوالة ، وإنما لا يصلح المحيل أن يكون وكيلا [ ص: 268 ] عن المحتال بقبض الدين لكون المحيل يعمل لنفسه ليستفيد الإبراء المؤبد ، والفرق بين الهبة والإبراء في الرجوع وعدمه أن الإبراء إسقاط والهبة من أسباب الملك كالإرث ، وإنما قبلت الفسخ ; لأن الدين لم يسقط بالكلية ; لأنها توجب الإبراء المؤبد وفي الذخيرة إذا صار الثاني نقضا للأول ، وبرئ الأول ا هـ . أحال المديون المطالب على رجل بألف أو بجميع حقه ، وقبل منه ثم أحاله أيضا بجميع حقه على آخر وقبل منه
وإنما لم يبطل حق البائع في الحبس ; لأن المطالبة باقية ولذا لو كان المحيل هو البائع بطل حقه في الحبس ; لأن مطالبته سقطت كالمرتهن إذا أحال غريمه على الراهن بطل حقه في حبس الرهن بخلاف ما إذا أحاله الراهن ، الثالث في هو الإيجاب من المحيل ، والقبول من المحتال عليه والمحتال ، الرابع في ركنها ففي المحيل العقل فلا تصح شرائطها والبلوغ وهو شرط النفاذ دون الانعقاد فتنعقد حوالة الصبي العاقل موقوفة على إجازة وليه كالبيع ; لأن فيها معنى المبادلة ، وأما حريته فليست شرطا للصحة فتصح حوالة العبد مأذونا أو محجورا غير أنه إن كان مأذونا رجع المحال عليه للحال وإلا فبعد العتق ، وكذا صحته فتصح من المريض ومنها رضى المحيل حتى لو كان مكرها في الحوالة لم تصح ; لأنها إبراء فيه معنى التمليك فيفسده الإكراه وفي إحالة مجنون وصبي لا يعقل العقل والبلوغ على أنه شرط نفاذ فينفذ احتياله موقوفا على إجازة وليه إن كان الثاني أصليا من الأول ، وكذا الوصي إذا احتال بمال اليتيم لا تصح إلا بهذا الشرط ومنها الرضا حتى لو احتال مكرها لا تصح ، ومنها مجلس الحوالة وهو شرط الانعقاد في قولهما خلافا المحتال فإنه شرط النفاذ عنده فلو كان المحتال غائبا عن المجلس فبلغه الخبر فأجاز لم ينعقد عندهما خلافا له والصحيح قولهما . لأبي يوسف
وأما فالعقل فلم يصح من مجنون وصبي لم يعقل قبولها والبلوغ فلم يصح من صبي قبولها مطلقا سواء كانت بأمر المحيل أو بدونه لكونها مع الأمر تبرعا ابتداء وبدونه تبرعا ابتداء وانتهاء ، ولو قبل عنه وليه لم يصح لكونه من المضار فلا يملكه الولي ، ومنها الرضا فلو أكره على قبولها لم يصح ومنها المجلس فإنه شرط الانعقاد ، وأما شرائط المحال عليه فأن يكون دينا لازما فلا تصح ببدل الكتابة فما لا تصح به الكفالة لا تصح به الحوالة فلم تصح شرائط المحتال به إلا إذا قيدها ببدل الكتابة ، وأما إذا إحالة المولى غريمه على مكاتبه فإنما يجوز إذا كان له على رجل دين أو عين وقيد بها ; لأن المحتال يكون نائبا عن المكاتب في القبض ، فيجوز وإن لم يكن له واحد منهما أو كان له ولم يقيده به لا يجوز ولكن إذا أحال المولى عليه رجلا لم يعتق حتى يؤدي بدل الكتابة فإذا أحال مولاه على رجل عتق كما ثبتت الحوالة عكس البائع كما أوضحه الشارح وتفرع على هذا الشرط أنه لو أحال المكاتب مولاه على رجل تبطل الحوالة ، ولو ظهرت براءة المحال عليه من الدين الذي قيدت الحوالة به بأن كان الدين ثمن مبيع فاستحق المبيع لم تبطل الحوالة لكن إذا أدى الدين بعد سقوط الثمن يرجع بما أدى على المحيل ، ولو ظهر ذلك في الحوالة المطلقة لم تبطل وسيأتي الكلام عليها . سقط عنه الدين لمعنى عارض بأن هلك المبيع عند البائع قبل التسليم بعد الحوالة حتى سقط الثمن عنه
الخامس في فلها أحكام منها براءة المحيل ومنها ثبوت [ ص: 269 ] ولاية المطالبة للمحتال على المحال عليه بدين في ذمته أو في ذمة المحيل على اختلافهم ومنها ثبوت الملازمة للمحال عليه على المحيل إذا لازمه المحتال فكلما لازمه لازمه ، وإذا حبسه حبسه إن كانت بأمر المحيل ولا دين عليه له ; لأنه هو الذي أوقعه في هذه العهدة فعليه تخليصه وإن كانت بغير أمره أو كان مديونه ، وقد قيدت به فلا ملازمة ولا حبس . حكمها
السادس في ذكر في الخلاصة والبزازية أنها على ثلاثة أوجه : لازمة وجائزة وفاسدة . فاللازمة أن يحيل الطالب على رجل ويقبل الحوالة سواء كانت مقيدة أو مطلقة . والجائزة أن يقيدها بأن يعطي المحال عليه الحوالة من ثمن دار نفسه أو ثمن عبده فلا يجبر المحال عليه على البيع ، وهو بمنزلة ما لو قبل الحوالة على أن يعطي عند الحصاد فإنه لا يجبر على أداء المال قبل الأجل ، والفاسدة أن يقيد بإعطائه من ثمن دار المحيل أو ثمن عبده ; لأنها حوالة بما لا يقدر على الوفاء به ، وهو بيع الدار والعبد فإن الحوالة بهذا الشرط لا يكون توكيلا ببيع دار المحيل ا هـ . صفتها
السابع في دليلها روى أصحاب الكتب الستة عن مرفوعا { أبي هريرة } وفي لفظ مطل الغني ظلم ، وإذا أتبع أحدكم على ملي فليتبع مرفوعا { الطبراني } ورواه من أحيل على ملي فليتبع { أحمد } ، ثم أكثر العلماء على أن الأمر للاستحباب وعن ومن أحيل على ملي فليحتل للوجوب ، والحق الظاهر أنه أمر إباحة فهو دليل جواز نقل الدين شرعا أو المطالبة والإجماع على جوازها دفعا للحاجة كذا في فتح القدير . الثامن في أحمد سيأتي أنها مقيدة ومطلقة . التاسع في سببها . العاشر في محاسنها وهو ما قدمناه في الكفالة . أنواعها
[ ص: 266 ]